د.علي القرني
من الواضح جدا أن السياسية الخارجية للمملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز تأخذ بعدا إضافيا وجديدا، لم يكن مسبوقا في فضاء السياسات الخارجية للمملكة سابقا.
وإذا بحثنا عن كلمة تعكس هذا التحول الجديد سنجد كلمة واحدة ربما - من وجهة نظري - تعكس هذا المدلول الجديد في السياسة الخارجية السعودية، وهي كلمة aggressive وهي باللغة الانجليزية واضحة المعنى، لكن مضطر أن أوجه معناها باللغة العربية إلى كلمة انتقيتها لربما تعكس ما أعنيه بهذا التغيير «تقدمية» بمعنى أنها أصبحت ذات طبيعة تتسم بأخذ المبادرة..
ولا شك أن السياسة السعودية على مر السنوات والعقود وتعاقب لملوك الدولة يرحمهم الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله ثابته ومستقرة، ولها مرتكزات وطنية وعربية وإسلامية ودولية، والتغيير الحاصل حاليا في السياسية السعودية يعكس الإجرائية الجديدة للسياسية السعودية. ونحن نعلم أن السياسة الخارجية لأي دولة مبنية احيانا على رمزية وإجرائيات أكثر منها بناء مواقف أو تغيير في المواقف.
إن رمزية السياسة الخارجية تتعدى التصريحات وإعلان المواقف إلى شكل جديد من الرمزيات التي لها تأثيرها على رسم صورة الموقف السياسي وبناء أجندات معينة تفرض حضورها في المشهد السياسي للحدث. وهناك دول من سنوات وهي تمارس طقوس الإجرائية الرمزية التي تستهوي وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وأصبحت السياسات الخارجية للدول وخاصة الدول العظمى تأخذ في الاعتبار تفاصيل صغيرة أو لنقل تبنى على تفاصيل صغيرة.
وهذه الحقائق في البعد الإضافي للسياسات الخارجية للدول أعطى أهمية للرمزية السياسية في صناعة الأحداث والمواقف، وباتت هذه التفاصيل الإجرائية هي التي تضيف بعدا جديدا للسياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال فقط للتوضيح فإن زيارة مفاجئة لشخصية سياسية من دولة عربية لرام الله في مثل هذه الظروف التي يمر بها الفلسطينيون هي من هذا النوع من أنواع الرمزيات السياسية للدول، وكذلك لبس عسكري لوزير دفاع مدني هي من تلك الرمزيات السياسية، وظهور قيادة سياسية كبيرة على حدود فيها معارك حربية لها مدلولاتها السياسية الكبيرة. وهناك أمثلة عديدة يمكن استنتاجها من كل موقف أو حدث، وتلبي بناء صورة جديدة عن الشخصية أو الدولة.
وإذا رجعنا إلى الوراء قليلا سنجد أن التاريخ يسجل لحظات معينة من أحداث أصبحت هي التي تمثل تلك الأحداث الكبرى التي مرت على البشرية، فمثلا طائرة هيلوكبتر وهي تسحب آخر الجنود ألأمريكيين من فيتنام أصبحت تلك اللحظة سواء بتصوير فوتوغرافي أو تلفزيوني تلخص أحداث حرب طاحنة امتدت إلى سنوات. كما وقوف الرئيس الروسي السابق يلتسون على دبابة أمام الكرملن كان يمثل لحظة تاريخية أوقفت ردة فعل الحزب الشيوعي من قمع المظاهرات التي كانت تدعو إلى نهاية الحقبة السوفيتية. وهناك رمزيات كثيرة تمثل أحداث مختلفة.
والسياسة الخارجية التي تتسم بالتقدمية دائما تبحث عن تلك اللحظات في خضم أحداث كبرى ومعقدة تماما وتصنع مكانة لها يلتفت إليها الناس وتسترعي اهتمام وسائل الإعلام ويحفظها التاريخ. ومثل هذه اللحظات او المواقف تصبح سجلا لتلك الأحداث ورمزية لها ترسخ في أذهان الناس والإعلام والتاريخ.
إن السياسة الخارجية للمملكة مقبلة على رمزية سياسية وإعلامية جديدة ولكنها تحتاج أكثر إلى صناعة احترافية بمهنية عالية من أجل البحث عن تلك الرمزيات التي تصنع مسارات جديدة للأحداث المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الخارجية للمملكة. وتحتاج مؤسساتنا السياسية في هذا العهد إلى عقليات مبدعة في صناعة رمزيات سياسية وإعلامية تبني قوة إضافية للقرار السعودي سواء كان داخليا أو عربيا أو دوليا.