د. حسن بن فهد الهويمل
من يحدد مصير العالم؟
ومن يدبر الكون؟
الله، أم دول الثماني؟
البسطاء قبل العقلاء سينطقون بصوت واحد [الله]، وإن رغم أنف الملحدين، والمهووسين بالقوة المادية.
للاستدراك فقط.
لابد أن نفرق بين [التواكل] و[التوكل]: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ . و[العزم] هو استكمال الأسباب المؤدية للسلامة، أو النجاح.
لا أريد أن أترك ثغرة لمغرض. لابد من إعداد المستطاع من القوة: قوة الحس، وقوة المعنى. قوة التدبير، قبل قوة التدمير.
الطيور تغدو خماصاً، لتعود بطانا. و[الغُدُوُّ] هو العمل. الرسول صلى الله عليه وسلم في [غزوة بدر] حين فرغ من الإعداد، واختيار المكان، بتغليب المشورة على الرأي الفردي. نُصب له عريش، واتجه يناجي ربه، ويناشده النصر، وإنجاز الوعد. ومن ثم أمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة مردفين.
لا دروشة في الدين، ولا معجزات خارقة بعد الرسل، ولا قبورية، ولا مهدي منتظر في السرداب.
الله وحده صانع النصر، ومقدر الهزيمة. فَلَنْ تَجِدَ لِسُنةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنةِ اللهِ تَحْوِيلاً .
وحين يقضي الله أمراً، يهيئ له الأسباب، فَكُلٌّ ميسر لما خلق له. وفي النهاية اللهُ خَالِقُ كُل شَيْءٍ حتى العمل الذي نعمله.
وإذا كان لله جنود السماوات، والأرض، تقديراً، وتدبيراً، وتسليطاً على من يشاء من خلقه، فإن كل رَمْية مِنه، وبإرادته:- وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِن اللهَ رَمَى .
المُحْتَمي بالله، المؤمن به، المتوكل عليه، ينصره الله من حيث لا يحتسب: إِن اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الذِينَ آمَنُوا . إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ومن مَلَءَ قَلبَه الإيمانُ، يعرف يقيناً، أن كل شيء من عند الله: مَا فَرطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ .
في ظل هذه المسلمات الإيمانية، نعود لقراءة الأحداث الجسام المتلاحقة، والمخيفة في آن. لنضعها في سياقها الطبيعي. بحيث لا نوجف بفارغ القول، ولا نمعن في جلد الذات، واستعداء الأعداء على الأهل، والعشيرة، والقبول بتحمل كامل المسؤوليات، عما يجري في هذا الكون.
لا نريد أن نكون الضحية، والمجرم، والمروج لمفتريات المستبد. مما يهرف به الشانئ الأبتر، هنا، وهناك.
[روسيا] ضُربت على وجهها، ولما تفق.
و[فرنسا] ضُربت في الصميم، ولما تزل في ذهول.
ومن قبل هؤلاء، وأولئك ضُربت [أمريكا] ولم تحدد بعد الطرف المسؤول.
ودعك من المسرح العربي المنكوب، من المحيط الهادر، إلى الخليج الثائر -على حد تعبير المد القومي-.
العرب مسهم الضر، والذل، والخوف، والجوع، وابتلوا بنقص من الأموال والأنفس، والثمرات. وما أحد من دول الاستكبار، والاستبداد، والاستعمار تمعر وجهه.
نحن ضد الإرهاب بكل أشكاله، وضد إزهاق الأرواح فوق أي أرض، وتحت أي سماء. من مختلف الأديان، والأعراق، والطوائف. واستياؤنا إسلامي، إنساني، وليس شعوراً بالذنب، ولا تكفيراً عن خطيئة.
ما نوده ألا نكون وحدنا مسرحاً للارهاب، ولا مجالاً للعب السياسية القذرة، ولا بؤراً للفتن العمياء، ولا أن نُتَّهم بالتصدير، والممارسة، على حد: [رَمَتْنِي بَدائِها وانْسَلَّت].
[داعش] ضَرَبَتْ بشكل عشوائي، وموجع كُلَّ من حولها، وفي كل الاتجاهات، وعلى كل الصعد، إلا [إيران] فإنها لم تمس منها بسوء. وما من أحد من مثقفي الهزيمة حَمَّل إيران ماحَمَّله أهله.
هذا التوحش الذي فسق عن أمر مدبره، جنته الغطرسة، والتآمر، وتنفيذ المهمات القذرة، وما جنيناه على أحد. وديننا، ومناهجنا، وتراثنا، ومصلحونا أبرياء مما يطلقه الماكرون، ويصدقه المغَفَّلون.
إن بامكان الدول الكبرى التي تملك أحدث الأسلحة، وأدق التقنيات، وأقوى أجهزة المباحث، والمخابرات، وتحوك أفظع اللعب السياسية، أن تنهي الفوضى المدمرة، التي جلبتها لمشرقنا المنفذ الغبي.
وهي إذ تبارك هذه الفوضى، تظن أنها قادرة على أن تأوي إلى جبل يعصمها من الدماء المتدفقة.
مشرقنا المأزوم، ليس وحده المسؤول عن هذه الجرائم، وليس وحده القادر على إنهاء هذه الفوضى المدمرة. إنه مَسْرح الأحداث بالإنابة.
[داعش] سِحْرٌ انقلب على الساحر، وتركيبةٌ [كيماوية] أخطأ المركِّب في المقادير، فانفجرت، وأحرقت أطرافه.
ليس لدينا من حل إلا مقولتنا للغربي:- [يَدَاك أَوْكتَا، وَفُوكَ نَفَخَ].
[داعش] وسائر الترسانات العسكرية لدول الاستكبار، و[القُمَّل] و[الضفادع] و[الدم]، وحتى [النمل] و[الفيروسات] من جنود الله التي يسلطها الله على من يشاء من خلقه.
و[روسيا] و[فرنسا] كدولتين عظميين، صديقتين، أو متصالحتين متعايشتين معنا، اختارتا الدخول في المعمعة المشرقية. وعليهما أن تتوقعا ردود الأفعال، بما هو أسوأ، وأخطر.
وما بأيدينا خُلِقْنا فوضويين. يد الصنيعة الإرهابية، لم يُحَدَّد طولها، وتلك غلطة الشاطر، ومن ثم امتدت لتضرب الأماكن الآمنة، والمسيجة بترسانات السلاح، وشبكات الاستطلاع، إذ لا عاصم من أمر الله.
الرُّعبُ اجتاح أوروبا، وهي لم تواجه خلال نصف قرن إلا عشر عمليات إرهابية، فيما حبل الفجيعة ملتف حول أعناقنا، ولمَّا نضطرب. إنه الإيمان بقضاء الله العادل.
أحسب أن الوقت قد حان لفتح الملفات كلها، بما فيها ملف [إيران] الفاعل الأكثر حضوراً في كل المآسي، والمكاشفة، والاعتراف بالأدوار غير السوية.
إن علينا أن نتساءل.
- من دَمَّر العراق؟
- ومن شَتَّتَ سوريا؟
- ومَن أخافَ لبنان؟
- ومن فرَّق شمل اليمن؟
- ومن جعل كل هذه البقاع حواضن لتفريخ الإرهاب؟
وإذا أجيب على تلك التساؤلات بجرأة، وشجاعة، ومصداقية، وثقة، فإن القدم ستخطو الخطوة الصحيحة على الطريق الصحيح.
لا نود لمشرقنا، ولا للعالم بأسره أن يتجرع مزيداً من الويلات. على [أمريكا] أن تسأل نفسها: ماذا فعلت بالعراق؟ وماذا خلفت من قبل في [أفغانستان]؟.
وعلى [روسيا] أن تسأل نفسها: ماذا تفعل الآن في سوريا؟ وعلى كل دول الغرب أن تحاسب نفسها على تسلطها، ومجيئها بترسانتها العسكرية إلى برنا، وبحرنا، وأجوائنا.
لا بد من موائد مستديرة، تفتح فيها كل الملفات الساخنة، وتدار فيها الآراء، وتسمع فيها شكاية الضحية.
هل أحد من الكبار المتحكمين أوقف [إيران]، وسألها عما تفعل في مشرقنا؟.
الذين يتهمون الإسلام، ويظنون بأنفسهم ظن السوء، يتيحون أكثر من فرصة لمن يمسكون بخيوط الدُّمَى.
لقد مَلَّ المغفلون من قتل أنفسهم، وتدمير أوطانهم، ومن ثم امتدت أيديهم لمن حولهم. على حد [عليَّ وعلى أعدائي].
مشكلة الشرق الأوسط أكبر من كل هذه الفئات الناهضة بالمهمات القذرة، من طائفيات وأحزاب. لابد أن نعي التاريخ الحديث، لنعرف مواطئ أقدامنا.
لدينا [أفعى] لها رأس، وذنب. ولمَّا نزل نلاحي [الذنب] دون أن ندرك بعد أن بيت الداء هو الرأس.
وحين يصاب الرأس بكدمات غير مضرة، تثور ثائرتنا، ونملأ الرحب بالنحيب، والعويل، وتحميل أنفسنا كل الجرائر، وكأننا نود الإبقاء على رأس الأفعى.
والشاعر العربي، يصيح بواد غير ذي أذن:-
[لا تَقْطَعَن ذَنَبَ الأَفْعَى وتَتْرُكها... إنْ كُنْتَ شَهْماً فَأَتْبِع رَأسَها الذَّنبا]
نحن لا نريد لأحد من خلق الله أن يضار. ولكننا في الوقت نفسه لانريد من هذا الأحد أن يجعلنا غرضاً لسهامه، وحقلاً لتجاربه، ومجالاً لتصفية حساباته مع أعدائه.
لقد مللنا من المؤامرات، وسئمنا من التجارب، وضاقت آفاقنا من الرحلات المكوكية، التي تطيل أمد العذاب، وتتعهد مسيرة اللعب، بحيث ترود لها، وتحمي ساقتها، وتديرها، ولا تحلها.
كل الذي نتمناه أن يُتْرك العربُ، ولو ساعة من نهار، ليستعيدوا فيها بعض ما فقدوه من حقوق مشروعة، ويَكتشفوا فيها أعداءهم، وخَطَلَ تصرفاتهم. وإن كان الكثير من نُخبهم أغبياء، براقشيين. يجمعهم الطبل، ويفرقهم السوط.
لقد فقد عالمنا سيادته، وحريته، ولم تُتِح له دولُ الاستكبار تدبير شيء من أمره.
فمنذ [حملة نابليون] حتى هذه الساعة، وعالمنا مسلوب الحرية، مقموع الإرادة، مصارد الحقوق، فيما تظل ألسنتنا، وأقلامنا تجلد ذواتنا.
لقد ساءنا ما يجري على أرضنا العربية، وساءتنا ردود الأفعال غير السوية، التي تجري هنا، وهناك.
الجهات الأمنية، والقوى العسكرية، والمباحث، والمخابرات، لا تكفي لحسم الفوضى العالمية. لقد حَضَرت القوة، واستفحل المكر، وغاب العدل، وفُقِدت المصداقية.
هذا الواقع المعاش، لا يمكن أن يتحقق معه الأمن، والعدل، والاستقرار:-
[إنك لا تجني من الشوك العنبا].
فيما يُحكى: اثنان أميان متشاكسان، يترددان كل يوم من قريتهما إلى المدينة مشياً على الأقدام لمجلس القضاء، ولما مسهما الضر، وأضاعا في سبيل هذه الخصومة كل ما يملكان، بدت منهما صحوة ضمير، وعزما على الصدق، فتنحيا عن الطريق، وجلسا وحدهما، تحت ظل شجرة.
ثم تداولا الأمر حول تلك القضية بصراحة، وعدل، واصطلحا، وعادا من حيث أتيا. فتعجب القاضي المتأذي، وتساءل أهل القرية الشامتون.
ما نوده من كل الأطراف في مشرقنا الجريح، وفي دول الاستكبار نَفْحةً من نفحات صحوة الضمير، كما حصل لهذين الخصمين الذين أمضيا سنوات، دون الوصول إلى حل. عسى أن تعود الأمور إلى مجاريها.
لقد وُصِف العربُ بأحط الأوصاف من الأقربين، وليموا على مصائرهم، وما من أحد نظر إلى من يرقب تحركاتهم، ويحصي أنفاسهم، ويرسم لهم خارطة طريق، تبقي على تشرذمهم، وتخلفهم، واستبداد قادتهم.
معتصر المختصر:
- ما يجري في عالمنا العربي جريمة عالمية نحن جزء ضئيل منها، وفيها. ولسنا وحدنا من جناتها، وإن أوجف مثقفو الانهزام، والاستسلام بكل ما يتصيدون من حجج أوهى من بيت العنكبوت.