عماد المديفر
كما ذكر فيتزباترك فإنه لا يوجد تعريف محدد معتمد عالمياً للدبلوماسية الشعبية. إلا أنها -كما سبق وذكرت- أقرب ما تكون إلى ما هو موضح في نموذج القوة الناعمة Soft Power، التي تقوم فكرتها في الشؤون الخارجية على أنها: القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية، وليس الإكراه أو الصرف والإنفاق والمكافأة المالية. وذلك عندما تجعل الآخرين يريدون ما تريد، دون الحاجة لأن تدفع باتجاه سياسة العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد ويحقق مصالح دولتك. وهي بذلك اتصال ذو اتجاهين «إرسال، واستقبال» لبناء العلاقة مع الشعوب في الدول الأخرى للدفع باتجاه تبنيها -عن قناعة- لما يحقق مصلحة الوطن وأهدافه السياسية.
في حين يرى قرونق Grunig أن الدبلوماسية الشعبية -في وضعها الحالي- ما هي إلا نموذج أحادي الجانب يتم تتبعه في المواجهات الدولية، متضمناً أهداف العلاقات العامة الدولية، ويقوم المسؤولون -حكوميون أو غير حكوميين- باستخدام وسائل الإعلام بقنواتها المختلفة للتأثير على الرأي العام في المجتمعات الأخرى وكذلك الاتصال المباشر بالأفراد والتأثير على اتجاهاتهم وأفكارهم، وبالتالي التأثير على حكوماتهم من خلال الأنشطة التي يتم توجيهها إلى الدول الأخرى في مجالات المعلومات والتعليم والثقافة.
أما مور (Ben D. Mor) فيرى أن أبرز التعاريف الخاصة بالدبلوماسية الشعبية وأحدثها هو الذي وصفها بأنها: «الجهود التي تبذلها الحكومة في بلد ما للتأثير على الرأي العام أو النخبة في بلد ثان بغرض صنع تحويل في السياسة الخارجية للدولة المستهدفة لصالح البلد صاحبة الجهود».
ويرى مور أن مثل هذه الصيغة تجاهلت كيفية الإقناع وطبيعة التفاعل، فضلاً عن قناة التواصل وشكلها؛ ومثل هذه الصيغة تم تناولها بشكل واسع الانتشار بين الباحثين. أما توش (Tuch)، فقد تجاهل تركيز الرأي السابق على تأثيرات السياسة الخارجية ويرى أنها: «قيام الحكومة بعملية التواصل مع الجماهير الأجنبية في محاولة لتحقيق فهم لأفكار البلد والمثل العليا فيها ومؤسساتها وثقافتها، فضلاً عن أهدافها الوطنية والسياسات الحالية».
وينظر مور للمفهومين باعتبارهما يعكسان الفروق العامة بين الدبلوماسية الشعبية قصيرة المدى التي تركز على الشؤون الراهنة، وبين الدبلوماسية الشعبية طويل المدى التي بدورها ترتكز على الأنشطة القائمة على الثقافة.
ومن حيث المحتوى فإن الدبلوماسية الشعبية «الدبلوماسية العامة» تمثل الأنشطة التي يتم توجيهها إلى الخارج في مجالات المعلومات، والتعليم، والثقافة، والتراث، والتاريخ، والأيديولوجيا والدين.. التي يتمثل هدفها في التأثير على حكومة أجنبية من خلال التأثير على مواطنيها. وتستهدف الدبلوماسية الشعبية مخاطبة الشعوب والرأي العام في الدول الأخرى عن طريق الأحزاب والتشكيلات غير الرسمية المتواجدة في نسيج المجتمع التي تعبر عن قطاعات حيوية فيه، وهي بهذا تختلف عن -الدبلوماسية الرسمية- المعنية فقط بالحكومات، كما تشمل الجوانب والأنشطة التي تنخرط فيها الخارجية بهدف رعاية المصالح الوطنية على الصعد الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك جوانب الإعلام، والفن، والدعم التنموي، والتبادل العلمي، والثقافة، والندوات الحوارية، وسوى ذلك.
وتركز الدبلوماسية الشعبية طبقاً لمركز الدبلوماسية الشعبية CPD في جامعة جنوب كاليفورنيا USC على الطرق التي تستخدمها الدول (أو المنظمات الدولية كالأمم المتحدة) للاتصال بالمواطنين في المجتمعات الأخرى. فالدبلوماسية الشعبية المؤثرة تنطلق من كون الحوار هو الوسيلة المركزية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، حيث يجب النظر إلى الدبلوماسية الشعبية على أنها طريق مزدوج «رايح، جاي» أو «إرسال، واستقبال»، وهي بذلك عملية تفاعلية ديناميكية، ومنفتحة على تقبل الرأي الآخر، وفيها من المرونة ما يصل ربما إلى إمكانية التغير والتبدل لما يحقق السلم والنماء والازدهار ومصلحة جميع الأطراف.
ومن المهم هنا، الإشارة إلى أن الدبلوماسية الشعبية لا تحاول فقط صياغة الرسائل التي تود دولة ما إرسالها للخارج، وإنما تقوم أيضاً بتحليل طرق تفسير هذه الرسائل في المجتمعات المختلفة «أي أنها تحاول الإجابة عن سؤال كيف استقبلت هذه المجتمعات الرسالة؟ وكيف فسروها؟»، فهي تقوم بتوفير وسائل استماع إلى جانب وسائل الإقناع المختلفة التي تعمل على ابتكارها.
وبصفة شخصية، أرى أن أفضل وصف للدبلوماسية الشعبية هي أنها اتصال ذو اتجاهين قائم على إيجاد أرضية مشتركة من القيم والمفاهيم مع شعوب الدول الأخرى للانطلاق منها بهدف الوصول إلى حالة تفاهم قد ترتقي إلى الانسجام والتأييد لاتجاهات وسياسات الدولة لدى مواطني الدول الأجنبية والرأي العام لديها لاسيما أن الفكرة الرئيسة للدبلوماسية الشعبية هي: الاتصال المباشر مع هذه الشعوب الأجنبية بهدف التأثير الإيجابي على آرائهم، والعمل -أخيراً- على التأثير على حكوماتهم..
ولا شك بأن هذا العمل وليتم على أكمل وجه، يحتاج إلى رئاسة عامة مستقلة، تتصل مباشرة بمجلس الشؤون السياسية والأمنية، كما كانت وكالة المعلومات الأمريكية التي أنشأها الرئيس «أيزنهاور»، ثم قام «جيمي كارتر» بتطويرها، وكذلك فعل الرئيس «ريجان» ثم ضُمَّت فيما بعد -ولأهداف لوجستية محضة- إلى وزارة الخارجية الأمريكية بكامل فريقها كوكالة مستقلة ولها ميزانيتها الخاصة، إلا أنها ظلت متصلة مباشرة برأس الهرم.. وليس مجرد إدارة هنا أو هناك.. إلى اللقاء.