د. خيرية السقاف
في مؤسسات المجتمع غير الإعلامية والرياضية نماذج بارعة, تتفوق بإنجازها, وخبراتها, ومهاراتها, تعطي, وتبذل, وتطور, وتبحث..
تجتهد, وتبرز عالمياً, ومهنياً, وإعلامنا بعيد عنها، وأناسنا لا يعرفون عنهم شيئاً إلا متى مرض أحدهم فيفاجأ هو ومن حوله بمهارة طبيب مواطن, غير أن له صيته في مجاله خارج الحدود, وفي مؤسسته والنظائر لها، لكن لم يسعَ الإعلام الوطني إليه سعيه وراء أسماء يزيدها كل يوم بريقاً لمجرد حشرها أنفها في كل محفل, وعند فوهة كل مكبر ناقل, أو لاقطة بارقة..!!
مع أن رسالة الإعلام تقضي بأن يسعى الإعلام ذاته إلى جميع المؤسسات في المجتمع, فيعرّف أفراد هذا المجتمع بجميع النماذج المتفوقة ذات العطاء والأثر..
وفيها هؤلاء المبدعون من أبنائه في الطب, المهرة في اختصاصاته؛ إذ لدينا من الأطباء من ابتكر طرقاً حديثة للعلاج في اختصاصه, للتخدير, للوقاية, للجراحة, للتوليد, لأمراض القلب, والأورام, والأسنان, والكسور, والتجميل, والجهاز التنفسي, والأنف وملحقاته, والباطنة, والروماتيزم, والمسالك, وأمراض الدم, والأعصاب, والنفس, والعيون..
كذلك بقية التخصصات التي تعتمد المهنية فيها على الخبرة، والدربة، والممارسة, والمواكبة اليومية.. وهذا ما يحدث في كبرى منشآتنا الطبية التي قوامها الحرفية, والدربة, ومتابعة الجديد تطبيقاً في حجرة علاج, ومقصورة عمليات, ومناظير, وأشعات, وحضوراً في مؤتمرات, ولقاءات مراجعات, ومختبرات تحليل, وفحص, وصومعات بحث واكتشاف، وقاعات تبادل خبرات, ونشر علمي لنتائج حصاد لا يتوانون عن متابعته, وتجريبه, والخلوص منه بما ينعكس على براعتهم, وتفوقهم. ومنهم النماذج الفذة التي نغفل عنها إلا حين محك.
فهذه المكوكية التي يعيش في أرجائها أطباؤنا المتميزون الصامتون البعيدون عن أنظار الإعلاميين حركة, ودأباً, يلمسها كل من يحتك بأطبائنا، فمنهم من أعطى, وأفنى, وبرز, وبصم, وأسهم وانتشر صيته في مجاله, ولا يزال له هذا الصيت، ثم مضى دون أن ندري عنه, ومنهم كل من لا يزال يعتمر بياضه ولا يجد وقتاً لتجفيف عرقه.. لكن لا يعرفه منا إلا المرضى, من حل بهم داء فتطببوا على يديه, وأيدي فريقه..!
يكتشف الأفراد منا عندئذ أن بيننا علماء أطباء ذوي خبرة نافذة, ومهارة فائقة, وصيتاً بعيداً, لكننا لا نعرفهم؛ لأن إعلامنا، ولأن الباحثين، وأولئك الواضعين «مراجع توثيق إعلام الوطن» ينصرفون لتوثيق آخر عنهم, ينصرفون فقط لتسليط أضوائهم على الإعلاميين منهم, وعلى الفنانين, وعلى الكرويين، وعلى كتَّاب يتفاوتون، و..و.. بينما هؤلاء علماء المهنة مجهولون في حياتنا, مغمورون عن ثقافتنا, يمارسون كفاحهم دون ضجة إعلامية كالتي..
إنهم لا يُسلَّط عليهم من ضوء الشمس إلا ما يسطع في جانبها القصي عنا!!
فتحية لهم, لأطبائنا في كل مجالاتهم، العاملين في المنشآت الطبية العامرة بهم نجاحاً, وتفوقاً, تحية لأطباء كبرى هذه المؤسسات التي غرست وتدها في المجال في سجلات العالم,
في مقدمتها مدينة جامعة الملك سعود الطبية، ومستشفى الملك خالد الجامعي فيها, ومستشفى الملك خالد التخصصي للعيون, وبقية المؤسسات الطبية المنتشرة في أرجاء الوطن من تضم النخب الرائعة المبدعة خبرة, وتطبيقاً، وتحديثاً, وإنجازاً، أطباء, وفنيين..
نعم, تحية لأطبائها الذين جعلوا لنا مقعداً في مركبة العالم، وعلَما ناصعاً يضيء..
كأقل ما يكون من حضورٍ يحييهم؛ لأنهم يستحقون أن تفرد لهم الأعمدة بأسمائهم, وإنجازهم المهني..!