عماد المديفر
يجب أن نكون صريحين، نقول الحق، ونعترف بالمشكلة، ونواجهها، ولا ندس رؤوسنا بالتراب، فالوضع لم يعد يحتمل.. الإرهاب خطر عظيم وجلل.. لا شك.. إلا أن «توريطنا بالإرهاب» خطر أعظم وَأَجَلّ..!
وهو ما يدفع به ويعمل عليه التيار الإخواني المتغلغل والمتخفي بيننا برداء يدعي «السلفية» وهم كاذبون.. رموز وعناصر، منتشرون هنا وهناك.. وبالتأكيد طالما أنهم منتشرون بيننا فهم يعملون في مؤسسات وأجهزة حكومية وأهلية سعودية.. بعضها مهم جداً وحساس، وبعضها أقل أهمية، هذا طبيعي، إلا أن لبعضهم جماهيرية شعبية منخدعة بهم وبمظاهرهم المتدينة.. رموز وعناصر يتهددونا، يسعون لتوريطنا وتوريط ثقافتنا وموروثنا وحضارتنا ليسهل ربطها بالإرهاب، والتطرف، والظلم، وانتهاك حقوق الإنسان، ينشرون الكراهية، والتعصب، والفكر التكفيري، والنَّفَسَ الطائفي، ولا يتوانون في لعن وشتم وسب اتباع الأديان والمذاهب المختلفة، ويشككون بالمخلصين من أبناء الوطن، ومن يعمل على كشفهم وتعريتهم، فلا يترددون في وسمه بالـ «التصهين»..! بل ووصل بأحدهم الأمر أن خرج عن طوره وصار إلى كشف نفسه بنفسه حين قالها صراحة بأن خصمه هم من يسميهم بالـ «وطنجية».. وربطهم بـ «التصهين».. وأنهم واحد.. وهذا الأمر (وسم المواطن الواعي بالتصهين أو الوطنجية أو الجامية) خطر آخر لا يقل عن الأول بحال من الأحوال..!
في حين أنه - وفي عملية تبادل للأدوار - تسعى عناصر من هذا التنظيم الإرهابي في الخارج إلى تقديم نفسها وتنظيمها كتنظيم معتدل، ومنفتح على الآخر، ومتقبل للاختلاف، ومحترم لحقوق الإنسان، ومدعٍ للتحضر واحترام الحريات وخدمة العدالة الاجتماعية.. وعوز التطرّف والإرهاب للنهج السلفي ولهذه البلاد! وَيَا للسخرية!
بل وحين جرى كشف جذور وأصول التطرّف بشكل موضوعي وعلمي بحت.. ولقي ذلك تفاعل شعبي سعودي واسع وواعٍ تحت وسم انتشر في وسائل التواصل الاجتماعية: « #داعش_نبتة_إخوانية» لم يتمالك هذا التيار الخبيث نفسه، حتى صَرّح من صَرَّح: «داعش نبتة سلفية»..! وآخر يقول: «السلفية.. أهذا وقتها»؟ وثالث يقول: «أمريكا هي المسؤولة عن الإرهاب في العالم، لقد صنع الإرهاب في أفغانستان برعاية أمريكية وعربية»..! وآخر يسعى لربط الإخوانية بنهج السلف..! ونهج السلف منهم براء.
خميس مشيط، نجران، سيهات، سوسة في تونس، أنقرة، بيروت، باريس، سيناء، عدن، وباماكو.. مدنٌ استهدفتها أخيراً وفي غضون أشهر قليلة فقط، عمليات إرهابية وحشية جبانة، ردد فاعلوها «الله أكبر والنصر للإسلام».. إنه إرهاب باسم الدين، وباسم الإسلام، ونحن نعلم بالتأكيد أن الإسلام منها براء.. لكن هل تظن أن أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى لا يزالون جميعهم واثقون من ذلك؟!
هي ليست مجرد عمليات «ذئاب منفردة» هنا أو هناك، كما كشفه التنظيم والتنسيق المحكم في أحداث الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي ضربت عاصمة الحب والجمال والموضة.. باريس، والتي لم تكن وسابقاتها لتصدر من فراغ..
أجل؛ إنها ليست مجرد ردود أفعال لحالة ما، أو شعور بالظلم أو الاضطهاد كما يحاول أن يبرر بعض المغيبين، أو ممن له مصلحة في ذلك.. وكما قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات، عبر حسابه في تويتر: «تبرير الإرهاب إرهاب»..
ففي باريس، بضعة شباب تائه وفاشل، يحملون جنسيات أوروبية من أصول عربية، نفذوا هذه الأعمال الإرهابية الجبانة، التي لا يقرها دين ولا ثقافة سوية.. لكن بالتأكيد عمليات كهذه لم تكن «اجتهادات» فردية من هؤلاء الإرهابيين الثمانية، أو التسعة أو حتى العشرة. إذ هم مجرد أدوات جرى اصطيادها لظروف مختلفة يمرون بها، وليتم تجنيدهم واستعمالهم وتوجيههم للقيام بأعمال إرهابية محددة هي على درجة عالية من التنظيم والدقة.. ولم يكن الزمان ولا المكان إلا مؤشر آخر، لا سيما إذا ما استحضرنا مواقف فرنسا القوية مع الشعب العربي السوري ضد الجرائم الوحشية وعمليات القتل والتدمير والتهجير الممنهج التي يرتكبها بحقهم المجرم بشار الأسد، وسادة في طهران، وليس ذلك فحسب، بل لا ننسى موقف باريس الصلب، ودورها الفاعل في إجبار طهران على الخضوع لشروط تضمن تحقيق الاتفاق النووي للهدف الأساس الذي تم لأجله هذا الاتفاق، ألا وهو عدم امتلاك هذا النظام الرجعي الظلامي لأسلحة نووية..
وإذا ما استحضرنا أن «عبدالحميد أبا عود» العضو الفاعل في تفجيرات باريس كما كشفت التحريات، هو ممن انضم لداعش، ومكث فيها أشهراً عدة، وهناك جرى تدريبه وتوجيهه لتنفيذ هذه العمليات الإرهابية بدقة ونظام لا يستطيع هو وحده بإمكاناته المحدودة تنفيذها.. وإذا ما علمنا أن داعش ليست سوى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» قبل أن تتحول إلى «الدولة الإسلامية في العراق» والتي وباعتراف العميل «نوري المالكي» نفسه تلقت ومنذ إنشائها في العراق عام 2004م تقريباً، كل الدعم من نظام بشار الأسد، هذا الاعتراف الذي اضطر إليه المالكي اضطراراً في أعقاب التفجيرات الإرهابية الشهيرة التي ضربت بغداد صيف عام 2009م ولم يكن ليكشف عنه إلا للهروب من تورطه هو أيضاً ومنظومته العميلة للولي الفقيه الإيراني فيها والتي لوح بكشفها حينها «هوشية زيباري» وزير الخارجية العراقية آنذاك - وهو ذات الأمر الذي كشفه برلمانيون وقيادات سورية انشقت عن النظام أمثال «عبدالحليم خدام» و»محمد حبش» و»كمال اللبواني» والذين أكدوا تورط نظام بشار في تجنيد وتدريب وإرسال الإرهابيين إلى العراق، الأمر ذاته الذي كشفته تقارير استخباراتية عربية وأجنبية عن علاقة المخابرات السورية بالمدعو «أبو مصعب الزرقاوي» المؤسس للتنظيم الإرهابي في العراق والذي تحول إلى «داعش»، ليس هذا فحسب، بل إن تفجيرات مرقدي الإمامين العسكري تم بدعم من إيران بحسب التقارير الأمنية الصادرة حينها..
وإذا ما علمنا عن علاقة القاعدة بـ «داعش»، وعلاقة «القاعدة» البنيوية بتنظيم «الإخوان المسلمين»، وارتباطها بها شكلاً من خلال قاداتها الذين أسسوها «عزام، وابن لادن، والظواهري» أو فكراً ومضموناً من خلال ارتباطهم الوثيق بأفكار الثلاثي «البنا، والمودودي، وقطب»، وعلاقة «الإخوان المسلمين» البنيوية بنظام ولاية الفقيه في إيران، وسعي هذين الفريقين إلى تجنيد وانضمام السعوديين خاصة، وربط داعش بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. فإن الأمور ستبدوا أكثر وضوحاً.. وأنه ينبغي علينا مواجهة إخونجية الداخل قبل داعش.. إلى اللقاء.