هاني سالم مسهور
مؤكد أن حجر الزاوية بات واضحاً في العالم، فهجمات باريس التي وقعت متزامنة في 11 نوفمبر 2015م باتت هي المرتكز الرئيس في التحولات السياسية الدولية، وإذا كانت تلكم الهجمات الإرهابية نجحت في تمرير (اتفاق فيينا) - الهش - والذي كفل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد خلال فترة حكم انتقالية مدتها ثمانية عشر شهراً، فإن هذا الاتفاق الذي فرضته الهجمات على باريس لم يكن لتنجح في تمريره روسيا على الدول التي كانت ترى أن بقاء الأسد يعد خطاً أحمر، وأنه لا يمكن القبول بالمساومة بين خيارات رحيل الأسد ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق.
في ذات الصدد لا يمكن تجاهل أن التدخل الروسي في سوريا فتح الباب على مصراعيه لتكهنات مختلفة حول مستقبل الشرق الأوسط برمته وليس نظام الأسد أو تفشي الإرهاب المتطرف في المنطقة، وفي حين أن روسيا وضعت مصالحها فقط أمامها ولم تبال بمصالح المجتمع الدولي ومخاطر التدخل بما في ذلك تحفيز للخلايا المتطرفة والتي تتعطش لاختلال كهذا في معادلة السياسة الدولية.
كذلك لا يمكننا وبعد أربعة أعوام ونصف العام من اندلاع الأزمة السورية أن نتجاهل الفراغ الكبير الذي أحدثته الولايات المتحدة الأمريكية بعدم اتخاذ إجراءات صارمة (مفترضة) على الرئيس السوري الذي استخدم كل أنواع القوة العسكرية ضد المدنيين من الشعب السوري بما في ذلك استعماله للسلاح الكيماوي مما أدى إلى تهجير ملايين من السوريين في أزمة متواصلة وتصعيد لم يتوقف خلال سنوات، التردد الأمريكي في قيادة المنظومة الدولية ضد تجاوزات الأسد أدى مباشرةً لسيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من سوريا، ونجح من بعد ذلك في استقطاب العشرات من المتطرفين إلى مقاتليه تحت أنظار العالم بما في ذلك الرئيس الأمريكي أوباما.
كل التراكمات الكبيرة في الأزمة السورية تعقدت أكثر عندما كشف الرئيس الروسي بوتين عن تحالف بلاده مع إيران وتزويدها بمنظومة صواريخ (اس 300) مما يشكل تحالفاً كاملاً بين موسكو وطهران والذي جاء بعد أن تدخلت القوات الروسية في الأراضي السورية وتراجع الدور الإيراني بشكل واضح فيها. هذا التكتيك بين الروس والإيرانيين على الأرض السورية شكل ضغطاً على الأتراك وهم خط المواجهة الأول لهذا التحالف الجديد والذي بتدخله ينذر حقيقة بتقسيم سوريا مما قد يسهم لاحقاً في ظهور الدولة الكردية في الجنوب التركي.
حدث ما كان منتظراً نتيجة التوتر العالي في سماء سوريا التي تعج بطائرات التحالف الدولي المحاربة لتنظيم داعش، تلك السماء المفتوحة ضاقت حتى بلغت إسقاط الطائرة الروسية من نوع (سوخوي 24) عندما اخترقت الأجواء التركية كما تقول أنقرة. هنا بحث العالم بعمق في مآلات ما تحتمله المواجهة التركية الروسية، وما إذا كان العالم يوشك على حرب واسعة النطاق تكون محورها الأرض السورية، وكيف يمكن للعالم أن يتشكل فيما بعد سقوط الطائرة الروسية.
الواقع مختلف، فحجر الزاوية لن يتغير وسيبقى عنوانه هو (هجمات باريس)، وما تمارسه روسيا هو استمرارها في الدفع المتواصل نحو أزمات تزداد تعقيداً للهروب من استحقاقات سياسية، كذلك فعلها بوتين مع أزمة القرم، ويكررها في سوريا ليستفيد من واقع فُرض فرضاً على المنظومة السياسية الدولية في فيينا بإبقاء بشار الأسد وتأجيل محاربة داعش والاستفادة القصوى على مدار سنة قادمة من التردد الأمريكي خاصة وأن ولاية أوباما قد اقتربت وباتت حساباته أكثر صعوبة من أي فترة مضت.
الرئيس الروسي بوتين يعرف تحديداً ماذا يريد في الشرق الأوسط المتفجر، يريد مزيداً من الوقت لمعركة الحفاظ على بشار الأسد حتى يمرر أنوب الغاز الروسي إلى البحر الأبيض المتوسط ومن بعدها يساوم على أزمات مفتوحة بداية من أوكرانيا والحرب على داعش وانتهاءً بتقسيم سوريا مع المحافظة على أيقونة بشار الأسد كنواة للدولة العلوية في المنطقة.
مع التردد الأمريكي والاندفاع الروسي اختلفت الأولويات السياسية كما اختنقت كثير من الآفاق السياسية الممكنة خاصة وأن خارطة التحالفات الدولية أخذت أشكالاً جديدة كنتيجة طبيعية لما بعد هجمات باريس، إلا أن ذلك كله لا يعني سوى أن مزيداً من التشنجات ستكون سمة المنطقة مع استمرار داعش والأسد كأطراف تجد متسعاً من الوقت مستفيدة من الصراعات السياسية المتوالية.