د.ثريا العريض
تشترك الساحة الكونية في مستجدات جاءت بها ثورة الاتصالات, وطفرة القدرة في التواصل وإيصال الرأي الفردي إلى المجموع العام، واحتمالات التكتل وراء رأي فردي يتحول إلى قيادة غير رسمية يتطلع إليها وينفذ تعليماتها الجموع خارجين على القيادة الرسمية.
وهناك دائماً جهات ثالثة مترصدة تدخل على الخط لتحويل الرأي العام المستثار, لخدمة مصالحها الخاصة, وليس لحماية الأمن, ولا النظام القائم, ولا إرضاء المجتمع الغافل غالباً عن أهدافها المستترة. وقد رأينا ما حدث في نشر الوثائق السرية عبر الويكيليكس, وكذلك استثارة الشباب العربي عبر الفيسبووك للمظاهرات ضد الأنظمة في ما سمي ثورات الربيع العربي, التي أوصلتنا من حلم الربيع إلى خارطة الهشيم العربي على امتداد كل الدول العربية التي تميزت بأنظمة دكتاتورية وجيش قوي.
في صحيفة محلية قبل يومين وردت هذه الفقرة وهي واحدة من فقرات أضعها كمثال:»كشفت التحقيقات مع أعضاء خلية العوامية الإرهابية عن تورط معارض سعودي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية في تحريض أعضاء الخلية المكونة من 24 عنصراً، لتنفيذ جرائم أمنية للإخلال بأمن واستقرار المملكة وإتلاف بعض الممتلكات العامة والخاصة، وتنفيذ جرائم سطو مسلح على الأموال».
بلا شك هناك جهات خارجية مستفيدة من التهشم تسعى لتهشيم الانضباط المحلي والعربي.. وهناك جهات داخلية تسعى لاستلاب زمام السلطة لخدمة مصالحها الخاصة. والجدل حول مسألة ما إذا كانت السيطرة الرسمية على وسائل التواصل الإلكتروني ومراقبة ما يقول الناس إجراء مقبولاً يحمي الأمن, أو تدخلاً غير مشروع في حرية التعبير الفردي وتعدياً على حقوق الإنسان ليس جديداً كونياً أو محلياً.
كثيرون يتوجسون من ممارسة تشديد الرقابة وتقنينها وتصعيدها لدرجة الترصد وإعداد الفخاخ للإطاحة بخونة أو مجرمين محتملين, ويرون في ذلك استعادة لأجواء انفلات المكارثية المرعبة،حيث تحت مظلة حماية الأمن القومي ضد الشيوعية في أمريكا انتشرت ثقافة ترصد حوارات الناس العاديين لتصيد الشيوعيين أو حتى استدراجهم عبر فخاخ مدروسة لإلقاء القبض عليهم، مع تشجيع ومكافئة المبلغين.. وبالتالي نشطت أيضاً ممارسة التجسس والإخبار عن المشبوهين والمشتبه بهم بما في ذلك الأقارب الحميمين والجيران للحصول على المكافآت. مثل ذلك ساد أيضاً في كل عهود التوتر السياسي, والصراعات على الحكم الأسبق تاريخيا, في أنظمة روسيا القيصرية وألمانيا النازية وأوروبا الفاشية.. وسيظل يسود في التي تسمح في مبدئها الأساس ما يصطدم مع ميول الناس الطبيعية ورغباتهم في حياة يومية توفر لهم راحة العيش وراحة التعبير عن مشاعرهم ورغباتهم.
اليوم المتابعة والمراقبة مثل التواصل والتعبير الذاتي والمجتمعي أصبحت أمراً أسهل بوجود التقنيات الحديثة.. ويبقى التوازن الحيوي مطلوباً لاستدامة الأمن والاستقرار بين المسموح به والممنوع لخطورته على أمن الوطن واستقرار المجتمع..والتوازن مطلوب للعدل بين المتجاوزين، فلا يحكم هوى الانتماء الذاتي بين عقاب يصل إلى القصاص لتدوينة أو قصيدة, بينما يحكم على متورط في الانتماء لجهة إرهابية مثل داعش بالسجن لأعوام معدودة أو أشهر.
حدوث اللا توازن إذا تكرر بلا مبرر منطقي مقبول من الفئات المختلفة بفعل مقصود أو غير مقصود, مثله مجتمعياً مثل زيادة الضغط الجيوفيزيائي في طبقات الأرض, لا يتولد عنه إلا البراكين والزلازل المدمرة للمجتمع والنظام والوطن.
ولنا عودة للحوار حول التوازن ومكافحة تصاعد الغليان المجتمعي.