سلمان بن محمد العُمري
يوماً بعد يوم يؤكّد أبناء هذا الوطن المعطاء طيب معدنهم وأصالتهم وشهامتهم. ففي مقطع قصير اختصر مساحات كثيرة من الكلام والوصف قدم فيه أحد الشباب بمدينة بريدة صورة مثالية وإيجابية للمواطن السعودي الملتزم بدينه الصادق في انتمائه لوطنه ومجتمعه ممّن يحمل الصورة المثلى لمبادئ الإسلام وآدابه وفضائله، هذا الشاب وغيره سلك طريقاً في مجال التطوع وبمبادرة فرديّة تتمثّل في تخصيص جزء من وقته في إسعاف السيارات المتعطلة سواء داخل المدينة أو التي تسلك الطريق الدائري من سيارات المسافرين الذين يمرّون بالطريق، وقد عمّم هذا الشاب وغيره من الشباب أرقامهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما قاموا بتهيئة مركباتهم بكلّ ما تحتاجه الصيانة الأولية من لوازم وقطع غيار يسيرة ووصلات بطاريات وإصلاح الإطارات، يضاف إلى ذلك عنايتهم بوسائل السلامة باستخدام إشارة تحذير توضع بمسافة كافية أمام السيارات المتعطّلة، وكذلك ارتدائهم للباس خاص عليه إضاءات عاكسة للضوء في المساء.
إن هذا العمل التطوعي من قبل هذا الشاب وغيره يستحق الدّعم والتشجيع والإشادة من قبل الجهات المعنيّة، وإن كانوا لا يريدون في عملهم هذا جزاءاً ولا شكوراً فهي قربةً يتقرّبون بها إلى الله -عز وجل- في عمل الخير وإيماناً منهم بأنّ أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومثل هؤلاء كثير ومنهم من يعمل بصمت في عمل فردي أو جماعي تطوعاً، واحتساباً، وربّما يظهرون في الأزمات والحوادث فنراهم ونلمس آثارهم.
ولعلّ أقرب مثال على ذلك ما رأيناه من عدد من الشباب في مدينة «بريدة» حينما داهمتها السيول وغمرت المنازل والمحلات التجارية. فقد هبّ الشباب من ذوي الفضل والخير لمساعدة الغير معرضين أنفسهم وممتلكاتهم للخطر لإنقاذ المتعلقين والمحجوزين ليس في بطون الأودية والشعاب إنما في المنازل والمساجد والطرقات، ومن لم يتطوّع بجهده ويده فقد سلك مسلكاً آخر بالتّطوّع بما له وبما تحت يده فقد أعلن أحد المواطنين عن تبرّعه بمجموعة من الشاليهات والشقق الفندقية مدّة من الزمن للمتضرّرين من السيول.
وهناك شواهد كثيرة في عددٍ من المناطق وفي مختلف الظروف نرى أثراً طيباً لأبناء الوطن شيبةً وشباباً، نساءً ورجالاً، يبادرون ويتطوّعون بأموالهم وأنفسهم لمساعدة الآخرين، وما من مجال من مجالات الخير إلا ونجد صوراً متعدّدة من الأعمال الخيرية التطوّعيّة التي نفخر بها وبأبناء البلاد التي يقومون بها، وهذا العمل التطوّعي ليس حصراً على أبناء البلاد فحسب بل إنّ عملهم ونفعهم متعدّد وشامل للجميع، ولعلّي أستذكر هنا موقفاً لأحد أبناء الوطن في شهر رمضان المبارك حينما تعطّلت حافلة تقل مجموعة كبيرة من المعتمرين من أبناء سلطنة عمان الشقيقة فما كان من المواطن الشّهم إلا أن استضاف الجميع في منزله وتناولوا طعام الإفطار لديه ليفاجؤوا بعدها بأنّه قد استأجر حافلة جديدة من حسابه الخاص لنقلهم إلى مكة المكرمة وتعيدهم للرياض، وإدخال حافلتهم إلى أحد الورش لصيانتها وإصلاحها، وكما قلت الأمثلة والشهواهد كثيرة وكبيرة وتؤكّد أن الناس في خير، وهناك الكثير ممّن لهم خبيئة بل خبيئات لا يريدون إظهارها ولا إشهارها ولا معرفة الناس بها.
قال الشاعر:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرفُ بين الله والناس