د. عبدالواحد الحميد
الحديث عن الآثار السعودية ذو شجون، فالكثير من هذه الآثار المهمة ضاع في خضم عملية التحديث التنموي والعمراني السريع التي اكتسحت بلادنا دون تجارب مسبقة فأكلت الأخضر واليابس، وبعضها ضاع بسبب الجهل بقيمة الآثار والتراث الوطني، وبعضها الآخر ضاع بسبب النظرة المستريبة تجاه الآثار التي لازال لدينا من يحمل تلك النظرة. لكن بلادنا مازالت تحوي كنوزاً من الآثار في العديد من المناطق، وهو ما يمثل تحديا للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للمضي في استكشافها واستنقاذها.
وقد قرأت ما صرح به الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة أثناء جولته في حائل في الأسبوع الماضي عندما قال: «كنا نظن أن هذه المواقع من الأسرار التي يجب ألا تُعرف، وهذا خطأ تاريخي». وبالتأكيد كان الأمير سلطان بن سلمان يشير إلى حالة اجتماعية عامة وليس إلى نظرة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تجاه الآثار أو إلى نظرته الشخصية إلى المواقع الأثرية.
حالياً، ثمة وعي جديد بأهمية المواقع الأثرية الذي نتج عنه تسجيل بعضها في قائمة التراث العالمي لليونسكو مما يبعث على التفاؤل بتحقيق إنجازات في هذا المجال وتغيير الصورة النمطية التي في أذهان بعض الناس من الغربيين وحتى من العرب عن الجزيرة العربية. فبعضهم يود تصوير هذه الجزيرة العربية على أنها ليست سوى صحراء جرداء تفتقر إلى أي إرث حضاري في حين أثبتت الاستكشافات الأثرية في الكثير من المواقع بالمملكة أن بلادنا كانت مهداً للعديد من الحضارات وإنها كانت رافداً حضارياً في مسيرة الإنسانية منذ آلاف السنين. وعلى سبيل المثال فإن المواقع التي زارها الأمير سلطان ومسؤولو الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في جبة بحائل والتي يعمل فريقٌ علمي من جامعات سعودية وبريطانية على استكشافها والتنقيب فيها ثبت أن بعض الرسوم الصخرية فيها يرجع تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة.
قد يقلل بعضهم من أهمية الاستكشافات التي تتم في العديد من مناطق المملكة، لكنها في الواقع سلسلة متصلة تمنح الباحثين فرصة ذهبية لدراسة حضارات الجزيرة العربية وذلك عن طريق تفكيك رموزها ومعانيها ودلالاتها بحيث تتضح الصورة الكلية لما كانت عليه هذه الجزيرة العربية في أحقاب وعصور متتابعة.
من المؤسف أننا نجهل الكثير من التفاصيل عما كان عليه إنسان الجزيرة العربية، وقد تم تكريس صورة نمطية سلبية وتعميمها بوصفها الحقيقة الوحيدة، بينما أثبتت الاستكشافات الأثرية عكس ذلك.
من المؤكد أننا -على الصعيد الشخصي الفردي- قد نختلف في مدى استمتاعنا بالآثار بل وحتى في كل مجالات الإبداع الفني، لكن المؤكد أن هذه الآثار ذات أهمية بالغة في توثيق تاريخ وطننا وفي نظرة الشعوب الأخرى إلى عمقنا الحضاري، ولذلك فإن حجبها أو تجاهلها كان بالفعل خطأ تاريخياً، وقد حان الوقت لتصحيحه.