د. أحمد الفراج
قبل سنوات، كنت أحضر مناسبة كبرى، في مزرعة العاذرية، وفجاة قفزت مجموعة من الحاضرين، وكان معظمهم من الأكاديميين، ذوي الوقار والهيبة، وأخذوا يصفقون، ويهنؤون بعضهم البعض، فارتج المكان، وحاولت، مع بعض الزملاء، أن نستطلع الأمر، وبعد أن هدأت الاحتفالات، عرفنا أن الاحتفالية الصاخبة كانت بسبب إعفاء وزير التعليم، الدكتور محمد الرشيد، يرحمه الله، ولا تزال كلمة أحد المحتفلين ترن في أذني، إذ قال بهستيريا: «لقد حققنا نصرين، وليس نصرا واحدا»، وكان يقصد إعفاء الوزير الرشيد، وتعيين الدكتور عبدالله العبيد، وهنا ندرك كم كان التعليم ضحية لسيطرة حزب واحد، منذ عدة عقود، ولست هنا بصدد شرح الواضح، ولا فضح المعلن، فأمر التعليم لم يعد سرا، وللأسف أن التعليم فشل، رغم مرور العديد من الوزراء عليه، واجتهاداتهم، في أن يخرج من بوتقة السيطرة الحزبية، إلى فضاء العلم الحقيقي، وكان ضحية ذلك هو أجيال متعاقبة من الطلاب، ممن حصلوا على الشهادات، ولم يحصلوا على المعرفة.
عاد كل ذلك إلى الذاكرة، بعد الهجوم الذي شنه الحزبيون على وزير التعليم الجديد، الدكتور أحمد العيسى، والمثير للسخرية هو أن الهجوم على العيسى حصل بعيد ساعات من تعيينه، أي قبل أن يؤدي القسم، وقبل أن يصل إلى مكتبه !!، ما يعني أن الهجوم كان مبنيا على ظنون، وأوهام، وخيل لنا، من خلال تعليقات الحزبيين، أن الدولة عينت شخصا غير مسلم، لا سمح الله، ليتولى واحدة من أهم الوزارات، وهذا يعني أنه لم يتغير شيء، منذ حادثة مزرعة العاذرية، الآنفة الذكر، فالتعليم، وبدلا من أن يؤدي رسالته الحقيقية، والتي إن تمت على وجهها الصحيح، ستساهم في وضع هذا الوطن على طريق التنمية، واللحاق بالأمم المتقدمة، نجده لا زال ميدانا للصراعات، والتي تقودها وتؤججها ثلة لا تعترف بهذا الوطن أصلا، ناهيك عن أن تعمل لأجله، وهذه الثلة هي من تحارب مفهوم الوطنية، وتستبدلها بالأممية، وتحارب كل نشاط لا يخدم ذلك.
دعونا نتحدث بصراحة: إذا استقطب رواد النشاط اللاصفي في مؤسساتنا التعليمية واعظا يستخدم ألفاظا فاحشة وبذيئة ليحاضر على طلابنا فهناك خلل، وإذا استقطبوا محاضرا يشيد بابن لادن، وبأبي بكر البغدادي ليلقي محاضرات في مدارسنا عن الإرهاب فهناك خلل، واذا حاربوا النشيد الوطني، والنشاط المسرحي فهناك خلل، واذا وقفوا بكل قوة، ومنعوا محاضرات المفكرين الوطنيين فهناك خلل، وإذا حارب الحزبيون كل معلم وطني، لا يسير وفق توجهاتهم، واستعدوا عليه، واتهموه بكل رذيلة فهناك خلل، وكل هذا معلوم، ولا يراودنا شك بأن مهمة إعادة حقل التعليم إلى مساره الصحيح لن تكون يسيرة، ولكنها ممكنة، لأننا في مرحلة لا تقبل أنصاف الحلول، فإما السير في ركب العالم، أو السير خلاف ذلك، والزمن ليس في صالحنا، والخلاصة هي أنه حان الوقت لتعاد الأمور إلى نصابها، فالتعليم أكبر من أن يكون ميدانا لصراع التيارات، وأكبر من أن يسيطر عليه حزب، يستخدم المناهج المعلنة والخفية، لإنتاج المزيد من الحزبيين، والذين يحصلون على الشهادات، ويخسرون فرصة التعلم الحقيقي، والمثمر.
فيا أيها المؤدلجون: دعوا وزير التعليم الجديد يعمل، ولا تشغلوه بمشاغباتكم، حتى لا نخسر فرصة أخرى، خصوصا أننا في وقت عصيب.