جاسر عبدالعزيز الجاسر
اعتدت عند ذهابي إلى مصر أن أتوجَّه إلى (فرشة بائع صحف) في منطقة 6 أكتوبر في الرصيف المحاذي لجامع الشيخ الحصري، إذ أحرص على اختيار صحف عدة عادةً ما تكون صحيفتين مصريتين، واحدة من الصحف المستقلة الجديدة التي أزاحت الصحف القومية (الإهرام، الأخبار، الجمهورية) عن صدارة اهتمامات القراء، وإضافة إلى الصحيفة المستقلة، وهو مصطلح مجازي لأنه لا يوجد في الإعلام وبالذات في دول العالم الثالث وسيلة إعلام مستقلة، فإن لم تكن خاضعة للحكومة فلا بد أن تكون تابعة لجهة اقتصادية أو رجل أعمال نافذ أو لحزب أو لتيار سياسي، إضافة إلى تلك الصحيفة أحرص على شراء إحدى الصحف القومية، ولا يهم التخصيص فجميعهن نسخة مكررة، وإلى جانب الصحيفتين المصريتين أقتني صحيفتي الحياة والشرق الأوسط اللتين تتواجدان يومياً على بساط «فرشة بائع الصحف» الذي ما أن يراني مقبلاً إلا وأعد لي الصحف الأربعة، إذ أصبح بيني وبينه مودة تستمر طيلة وجودي في مصر.
في أحد الأيام توجهتُ بصحبة صديق عزيز من أبناء مصر، مثقف حريص على متابعة الأحداث، وما أن هممت بتلقي الصحف الأربعة كالعادة حتى نصحني أن أوفر وقتي ونقودي وألا أشتري صحفاً مصرية..!! وعندما أبديت دهشتي رد بهدوء بأن الصحف المصرية لم تعد ذات مصداقية، وأن كثيراً من أخبارها لم تعد صادقة، وحتى الكتَّاب ومنهم من يوصفون بالكبار لم تعد كتاباتهم مقبولة، فكلٌّ يكتب لمصلحة الجهة التي تدفع له. وعندما اعترضت على ذلك أخذ يذكر لي العديد من الأحداث والوقائع ويربط بين أسماء الصحف والجهات التي تمولها، والكتَّاب الذين يخدمون أصحاب الصحف التي يقولون عليها «مستقلة» وما هي بمستقلة.
أمام الحقائق التي ذكرها صديقي لم يكن أمامي إلا التصديق بما قاله، إلا أنني وبحكم عملي الصحفي واشتغالي بالتحليل السياسي ورصد المتغيرات السياسية والاجتماعية في أي مكان أذهب إليه، أقنعته أنه لا بد لي أن أتابع ما يُنشر في صحف البلد الذي أتواجد فيه حتى وإن لم تكن كل ما يُنشر فيها مطابقاً للحقيقة مئة بالمائة، يكفي أن أقرأ وأقارن وأخرج بحصيلة، فحتى غير الصحيح يظهر لدى المراقب علامة على توجه سياسي أو حراك ينبئ عن شيء ما لا يعرفه إلا من اعتاد القراءة ما بين السطور.
تذكرت كلَّ هذا وأنا أستمع إلى ما قاله الأستاذ أحمد القطان سفير المملكة في مصر، عندما واجه الصحفيين المصريين في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الخميس الماضي في مقر السفارة في القاهرة، عندما قال إن 90 بالمائة مما ذكره الصحفيون المصريون من خلافات بين المملكة العربية السعودية ومصر وأن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام ليست صحيحة، وطالبهم بأن يعترفوا ويعتذروا لقرائهم عن هذا الخطأ بعد نتائج الاجتماع الأخير لمجلس التنسيق السعودي المصري الذي عُقد في القاهرة، والذي تمخض عنه العديد من الإضافات التي ستدعم العلاقات وتبرزها كنموذج بين العلاقات العربية.
كلام السفير لا يقبل التأويل، وهو واضح ويتطابق مع كل ما حفل من أخبار مغلوطة وتعليقات من كل صاحب هوى وتوجه وصل إلى صفحات الصحف القومية التي أصبحت دكاكين مغلقة لمن يرأس مجالس إداراتها ويرأس تحريرها، فهؤلاء أصبحوا يُسيِّرون تلك الصحف لما يخدم مصالحهم وولاءاتهم التي لا علاقة لها بالعهد الجديد وبخارطة المستقبل الذي يجهد فيه الرئيس السيسي والمخلصون من أبناء مصر والذين لا يخلو منهم الجسم الإعلامي في مصر سواء المقروء أو المرئي، إلا أن ضجيج الصوت العالي لأصحاب المصالح والاتجاهات السياسية التي لفظها الشعب المصري هي الطاغية الآن، ورغم تخلي المتلقي المصري عن إملاءاتهم التي باتت مكشوفة.