د. عبد الله المعيلي
قبل حوالي ستين عاماً، تعرضت منطقة القصيم عامة إلى حالة مطرية شديدة تشبه الحالة المطرية التي مرت بها بريدة تحديداً وجدة منذ أشهر خلت، حيث أغرقت السيول كل مكان، مما تعذَّرت معه الحركة، وسبل السير، ويبدو أن مدير المدرسة السعودية بالرس - وخشية على الطلاب - طلب إذناً من مدير التعليم بتعطيل الدراسة في المدرسة، فجاءه الرد من مدير التعليم بالبرقية رقم 85 وتاريخ 24-5-1376هـ، وهذا نصها: (حاولوا الدراسة ما أمكن ولو بأحواش المدرسة، على أن تتصلوا بمالك الدار للإسراع بترميمها).
رحم الله ذاك الجيل من القادة التربويين المخلصين الذين يعرفون قيمة الوقت عامة ووقت التعليم تحديداً، ووجوب استثماره، فاليوم الدراسي ملك للطلاب، ولا يحق لأحد أن ينقص منه إلا وفق مسوغات قاهرة لا يمكن تحمُّل تبعاتها، كما الحال التي مرت بها بريدة، حيث يتعذر الخروج إلى المدارس.
أذكر أنه أُجريت دراسة مقارنة عن عدد أيام الدراسة بين العديد من الدول شرقاً وغرباً، وتبين أن أيام العام الدراسي في المملكة العربية السعودية يُعد من أقل الدول، فجلّها يربو عامها الدراسي على المائتي يوماً، ومع ذلك يلحظ في السنوات القليلة الماضية تعجُّل في تعطيل الدراسة، وأن هذا التعجُّل لا مسوّغ له البتّة، فقد أثبتت الوقائع أن جل القرارات التي صدرت بتعطيل الدراسة خشية مما هو آتٍ - مطر أو غبار - لم تكن موفقة، وبالتالي فإن الضرر الذي يخشى منه، يُعد أخف وأهون من تعطيل الدراسة، يذكر أحد القياديين في وزارة التعليم من الرعيل الأول، أنه لا يذكر البتة تعطيلاً للدراسة بسبب المسوغات التي يستند إليها الآن وذلك إلى عهد قريب جداً.
ومع هذا لا بد من التنويه إلى أمرين:
الأمر الأول: إن تعطيل الدراسة بسبب الغبار يُعد عبثاً ورفاهية، وتضييعاً للوقت، كما أنه ينمّي في الطلاب ويعوّدهم على الاستهتار بالوقت، وعدم الالتزام بالمواعيد واحترامها، وقد قيل: من شبّ على شيء شابَ عليه.
الأمر الثاني: إن تعطيل الدراسة بسبب الأمطار ولأسباب قاهرة ومسوغات منطقية مثل كون المدرسة بعيدة عن الطلاب، أو يفصل بينها وبين وصول الطلاب إليها وادٍ، أو أن المبنى طيني مستأجر يخشى من سقوطه على رؤوس الطلاب، أو يُشكّل خطورة على الطلاب من حيث التمديدات الكهربية، فإنه لا ضير من تعطيل الدراسة في هذه المدارس ذات الطبيعة والظروف الخاصة، أما المدارس الأخرى وأخص المدارس في المدن فلا مسوّغ لتعطيل الدراسة فيها بصفة العموم، قد يكون في المدن مدارس ذات ظروف خاصة، ولا بأس أن تُعامل بالمعاملة نفسها وفق المعايير والضوابط، لذا لا بد من إعادة النظر في تعطيل الدراسة في المدارس بصفة عامة وذلك بوضع جملة من المعايير والمسوغات التي يُعد تجاهلها استهانة بالطلاب وحياتهم.
لذا يفترض أن يصدر تشريع يضبط تعطيل الدراسة في المدارس ذات الظروف الخاصة، وتُعطى الصلاحية في تقدير ذلك لمدير المدرسة بعد أن يُنسق مع إدارة التعليم ويحيطها علماً بذلك، مع وجوب تبليغ الطلاب بهذه المعايير والضوابط بحيث يعرفون متى تعطل الدراسة.
إن تعطيل الدراسة من غير مسوّغ، يُعد من المناهج الخفية الخطيرة، حيث ولَّد لدى الطلاب شعوراً بعدم أهمية الوقت، بل عزز في وجداناتهم روح الكسل، وأن الوقت لا أهمية له ولا قيمة، وعوَّدهم على الاسترخاء في مرحلة عمرية تُعد من أهم مراحل التكوين العقلي والنفسي التي يجب أن تغرس فيها السلوكات الحميدة وتعزز بالتطبيق العملي الحازم.
إن الأمل معقود على وزارة التعليم في عهدها الجديد أن تُبادر إلى إعادة النظر في تعطيل الدراسة الذي كان يُتخذ لأساب وتوقعات واهية يغلب عليها الحذر، وأحياناً كثيرة لا تصدق، بل يتبين في اليوم الذي عُطلت فيه الدراسة أنه لم يحصل ما كان يحذر منه.