د. عبد الله المعيلي
تعد المرأة في مقدمة اهتمام المفكرين والكتاب وعموم الناس، فقد تتقدم على مالئ الدنيا وشاغل الناس، ذاك الوصف الذي تفرد به المتنبي، نظراً لما تمتع به من سجايا وقدرات وسمات لم يستطع أحد أن ينافسه في التحلي بها، وبها استأثر بالمكانة العلية، وحجبها عن غيره من الشعراء ليس في عصره فحسب بل مازال المتنبي حتى الآن يتصدر قائمة الشعراء في الحكمة والبيان، وروعة الوصف، وجزالة اللفظ والمعنى، إنه القائل:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر القوم جراها ويختصم
في هذا الزمن جاء من ينافس المتنبي في ملء الدنيا وإشغال الناس ويتقدم عليه، ليس في السجايا والخصال التي تميز بها المتنبي، ولكن في أمور أقل ما يقال عنها إنها لو وضعت في قائمة الأولويات التي يجب الاهتمام بها والانشغال لما كانت ذات أولوية، بل لكانت في ذيل القائمة من حيث الأولوية والقيمة، لكنها العقول عندما تصاب بحول البصيرة تأتي على أيدي أصحابها البصائر حولا، حال تنطبق تماماً على الذين تصدوا لشؤون المرأة وقضاياها فأعطوا بعضها أولوية وقيمة غير مستحقة، إنهم ثلة ساء لحظ بصيرتها، فجاؤوا ببصائر مثل الشمس في رابعة النهار جاؤوا بها مشوهة هشة، رحم الله أحمد شوقي حيث قال:
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا
من ذلك دعوى قيادة المرأة للسيارة وبسبب سوء رؤيتهم، وتركيزهم على جانب واحد من جوانبها المتعددة المعقدة، جعلوا منها قضية ملأت الدنيا ضجيجاً، واشغلت الناس بمتابعة مآلاتها، فانقسم الرأي العام حولها وعد من يبدي رأيا مخالفا ضد حرية المرأة معادياً لها.
كل العقلاء لا يعدون قيادة السيارة من الناحية الشرعية يستحق هذا الضجيج، ولا أحد يجادل في إمكان ممارسة هذا الحق الذي يعد البعض حرمان المرأة منه تمييزاً ضدها، لكن على هؤلاء أن ينظروا بحكمة للقيادة من جوانبها كافة، ليتبين لهم قضايا ذات صلة تخرج القيادة من إطار مشروعيتها، إلى إطار محذور بسبب تجاهل جملة من التشريعات القانونية التي تكفل للمرأة ممارسة القيادة وهي آمنة مطمئنة على نفسها وحقوقها من التعدي أو المضايقة والإيذاء.
يبدو أن البعض لا تعنيه المرأة ولا ما قد تتعرض له من أذى بدني أو معنوي في ظل غيبة التشريع الذي يكفل لها حقها الشخصي في ممارسة القيادة، البعض يستشهد بما هو حاصل في كل بلاد الدنيا ولا سيما القريب منها، والمماثلة لنا اجتماعياً وثقافياً، فالأمر في نظر هؤلاء أبسط مما يدور في مخيلة المتخوفين، ربما يكون هذا صحيحاً، ولكن في الوقت نفسه ليس عدلاً لوم المتخوفين، أو وصفهم بأنهم ضد حرية المرأة، أنا أعزو سبب التخوف على المرأة من القيادة إلى المكانة السامقة والتقدير العالي لها في وجدان الرجل السعودي، الذي يخشى عليها من مجر « غزة الشوكة «، فما بالك بالأخطار المحدقة المهلكة التي لا تخطئها العين يومياً في الشوارع وهي الأشد أذى وخطورة، هذا فضلا عن الافتقار إلى القوانين التي تحمي المرأة من تحرش المتطفلين المشفوحين، ومضايقة عديمي المروءة والأخلاق.
إذا كانت أعراف مجتمعنا، وأصالة قيمه الاجتماعية تخشى على المرأة حتى من مجرد (غزة الشوكة) فما بالك بما هو أشد من غزة الشوكة أذى وخطورة، المرأة ليست في نظر المجتمع مجرد كائن بشري فحسب، إنها في نظره أسمى من الرجل مكانة، وأعلى قدراً، فهي الأم التي حظيت بتوصيات بر وصحبة ثلاث مقابل واحدة للأب، وهي البنت والأخت والزوجة، ولكل منهن منزلة خاصة في الوجدان حباً وتقديراً وخشية.
القضية ليست مجرد قيادة، القضية تتطلب تنظيماً واستعداداً وسن قوانين، إلا إذا كان البعض يرى أن المرأة معفية من العقوبات النظامية، وأن لا بأس من أن تتعرض للإيذاء النفسي والبدني، إن كانوا كذلك فهناك فئة ترى المرأة أعز وأكرم من تعريضها لمثل هذه المواقف.