د. عبد الله المعيلي
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على إقرار تأنيث تدريس الصفوف الأولية من التعليم الابتدائي (بنين)، وهو قرار بني على العديد من المبررات التربوية والمنطقية، ومن البدهي أن تلك المبررات مهما كان وضوحها، والمسوغات ودرجة رجاحتها ووضوح نتائجها، إلا أن هذه وتلك لا يمكن التسليم المطلق بصدقهما، والاعتماد عليهما في إنفاذ أمر يستمر عقوداً دون التحقق العلمي من التوافق بين تلك المبررات والنتائج المتوقّع تحقيقها، وليس بخاف أن جلَّ الأجهزة الحكومية لا تولي البحث العلمي والدراسات أي اهتمام في اتخاذ قرار أو مراجعته، بل تعتمد كثيراً على ما وقر في ذهن صانع القرار من مظنة صواب رأيه وبالتالي لا حاجة تدعو إلى التحقق منه. لهذا تضيع الجهود، وتترسخ الأخطاء وتتكرر، وخروجاً من ممارسات المنبت التي لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، وأسوة بما هو متبع في الدول التي بلغت مستويات متقدِّمة من النضج والتطور، يجب أن يعطى كل قرار وتوجه جديد، مدة زمنية محددة، يعقبها تقويم القرار والتوجه وفق المنهج العلمي المعروف بأساليبه وإجراءاته وأدواته، وبهذا يتبيّن ما إذا كان بالإمكان الاستمرار أو الإلغاء أو التعديل.
لنعد إلى موضوع المقال (تأنيث التدريس في الصفوف الأولية من التعليم الابتدائي بنين)، القرار من حيث الظاهر قرار مناسب تربوياً، ومتوافق مع المنطق، وحسب علمي أنه لم تنشر بصفة رسمية البحوث التي ربما أجريت لتقويمه، ومما يدل على ذلك أن التوجه قائم بصفته التي أقرّ بها، بينما واقع الميدان التربوي يعاني من جملة من المشكلات التربوية والإدارية ومع ذلك لم يتخذ بشأنها أي إجراء أو معالجة.
هناك انقسام حول القرار بين مؤيِّد ومعارض، فالمؤيِّدون يستندون إلى المبررات التربوية ليس إلا، بينما المعارضون يستندون إلى وقائع وملاحظات من واقع التطبيق العملي داخل الفصول الدراسية، ومن ذلك على سبيل المثال:
« - كثرة حركة الطلاب داخل الفصل وعدم قدرة المعلمة على السيطرة عليها.
« - عدم الانصياع لتوجيهات المعلمة.
« - عدم قدرة المعلمة على ضبط الفصل.
« - عزوف المعلمات عن تدريس الأولاد.
« - مطالبة المعلمة بإعطائها بدل تدريس أولاد.
« - نعومة شخصيات الطلاب وضعفها.
.... وبعد أن ينتقل الطلاب إلى مدارس البنين، وبعد إسناد تدريسهم إلى معلمين لاحظ المعلمون على الطلاب الذين درستهم معلمات جملة من الملاحظات ومن ذلك على سبيل المثال الآتي:
«- أخطاء في طريقة مسك القلم.
«- أخطاء في كتابة الحروف.
« - الخطوط مشوَّهة.
« ضعف التحصيل الدراسي.
لا يخفى أن الصفوف الأولية من التعليم الابتدائي تشكل حوالي ثلثي أعداد الفصول، وبالتالي ففي تأنيث تدريس هذه الصفوف تقليل للفرص الوظيفية للمعلمين، وهم الأولى لاعتبارات معروفة، بينما المعلمة هناك من يتكفَّل برعايتها، ولهذه الاعتبارات وغيرها أرى أن يعاد النظر في هذا القرار، بحيث يقتصر تدريس الصفوف الأولية على المعلمين فقط.