د.عبدالله مناع
لست متفائلاً بهذه (المشاورات) اليمنية اليمنية.. التي بدأت ظهر الثلاثاء الماضي في مدينة (بيال) السويسرية بعد وقف هش لإطلاق النار سبقها بأربع وعشرين ساعة بين معسكري: (الشرعية اليمنية).. و(التآمر) الحوثي الصالحي الخائن لـ(اليمن) وشعبه وتطلعاته في إقامة جمهورية يمنية
اتحادية مدنية قوامها العدل والمساواة والحكم الرشيد، فالطرفان ذهبا إلى (بيال).. بأجندتين متعارضتين، وإن بدا ظاهرياً أنهما متطابقتان، فـ (الشرعية) والتي تتصرف بـ(مسؤولية) وطنية تجاه اليمن وإنسانه وحياته وبنيته.. ذهبت إلى ضاحية (بيال) السويسرية في جنيف.. لـ (تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216)،الذي يطالب عصابة الحوثيين بـ (الانسحاب) من المدن والمحافظات اليمنية والعودة إلى (صعدة)، وتسليم المعدات والأسلحة الثقيلة.. وإعادة الأموال التي تم نهبها من خزينة الدولة والبنوك اليمنية إلى المؤسسات اليمنية الدستورية التي لم يلغها (الإعلان الدستوري) المثير للشفقة والضحك، وإطلاق سراح الرهائن والمختطفين من الوزراء والقياديين والحزبيين والصحفيين والمواطنين.. بينما ذهبت (عصابة) الحوثي والصالح الانقلابية - وغير المسؤولة وطنياً بحكم طبيعة تكوينها التآمري - إلى (بيال) بما أسمته بـ (النقاط السبع) التي تشكل من وجهة نظرها (الأرضية الصلبة لأي مشاورات حول اليمن)!! وهي تلك النقاط التي ردت بها على (المسودة الأممية النهائية لأجندة الحوار) الثاني في سويسرا، والتي ادعت فيها بأن (المسودة الأممية التي تلقتها لم تستوعب ملاحظات الحوثيين حول مكافحة الإرهاب وترتيبات وقف إطلاق النار)!! فما دخل (مكافحة الإرهاب).. في قرار أممي أساسه الدعوة إلى انسحاب الميليشيات الحوثية من المدن والمحافظات اليمنية التي اقتحمتها واستولت عليها وعلى ما فيها من وزارات ومؤسسات وأسلحة وأموال في سبتمبر من العام الماضي!؟ ولكنه (خلط الأوراق) الذي اعتمدته عصابة الحوثيين منذ خروجها من (صعدة) للتظاهر وطنياً بطلب: (عودة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية رأفة بالأغلبية اليمنية من محدودي ومعدومي الدخل، وتغيير حكومة الوحدة الوطنية الفاسدة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل).. الذي لم ينسفه أحد غيرهم.. بهدف الوصول إلى توقيع (اتفاق السلم والشراكة) المبيت له - أو «خديعة» السلم والشراكة - مع الرئيس عبدربه منصور هادي الذي اضطر لذلك التوقيع (المهين).. على أمل أن يخرجهم توقيعه من (صنعاء).. وهو ما لم يحدث، إذ خرج (هو) من صنعاء.. إلى (عدن) ومنها فاراً إلى المملكة.. ليستنجد (بزعيمة) المبادرة الخليجية، بينما كسب الحوثيون بتوقيعه.. اعترافه بـ (شراكتهم) في حكم اليمن، لينضم إليهم وعلى الفور الرئيس السابق - وخائن مبادئه الوطنية والوحدوية - علي عبدالله صالح.. أماً في العودة إلى القصر الجمهوري في صنعاء - هو.. أو ابنه «أحمد» - مجدداً، ليشكلا معاً.. جبهة عقائدية متهورة، مدعومة مالياً بخزائن علي عبدالله وصالح وأسلحة الموالين له من الجيش اليمني، خلعت (زيديتها) وارتدت (إثنى عشرية) شيعية مستوردة.. طمعاً في الدعم الإيراني المؤسف وليس رغبة في الخلاص من (زيديتها) المتجذرة في الوجدان اليمني.. ولكنها (المصالح)، التي كسب بها (الحوثيون والمخلوع).. وانضحك بها على المندوب الأممي الموريتاني الجديد (إسماعيل ولد الشيخ أحمد).. وجعلته يدعو خلال مؤتمر الرياض الذي عقد في مايو الماضي لمناقشة الأزمة اليمنية - بعد أسبوعين من انطلاق عاصفة الحزم - إلى مؤتمر جديد في جنيف.. يحضره الجميع (دون شروط مسبقة) وهو ما كان يحلم به الحوثيون!! بدلاً من أن يدعو (المؤتمر) لـ(مطالبة) مجلس الأمن بتشكيل قوة حفظ سلام دولية لتنفيذ القرار(2216)، الذي لو تم إنفاذه في شهر مايو أو يونيه الماضيين.. لجنب اليمن وأبناءه كل هذه المآسي والأهوال التي وقع ضحيتها على يد الحوثيين، وجنب المنطقة حالة التمترس.. الخليجية الإيرانية التي انتهينا إليها؟!
* * *
الآن.. وفي هذا اللقاء الذي يتجدد في سويسرا، وبعد أن أكد المراوغون الحوثيون لـ(بان كي مون) في سبتمبر الماضي.. بأنهم مستعدون لإنفاذ القرار 2216.. عادوا إلى (المراوغة) ثالثة أو رابعة عشية اللقاء - عندما قال المتحدث باسمهم (محمد عبدالسلام) أن (مسودة الدعوة - التي تلقوها - لم تستوعب ملاحظاتهم «العبقرية!!» عليها عند استلامها)، وأن ما يسمونه بـ(النقاط السبع هي التي تشكل الأرضية الصلبة لأي حوار حول اليمن) وليس - بطبيعة الحال - (مسودة الأجندة الأممية) لهذا الحوار!! وهو ما يعني الدخول إلى (متاهة) في هذه المشاورات.. أو إلى (مغارة علي بابا) بحثاً عن مخرج منها، قد يستغرق شهراً.. أو عاماً.. وبما يحقق هدف قطع الطريق على ما تبقى من تطبيق مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل بـ(إعلان) الدستور الجديد، فالاستفتاء عليه، فـ (الانتخابات) الرئاسية فـ(البرلمانية).. وإطالة حكم المتآمرين والخونة لـ(اليمن)، وبقاء اليمنيين في هذه الحال من البؤس والتردي.. إلى أن تنتهي تلك المشاورات التي لا يراد لها أن تنتهي؟ فـ(النقاط السبع).. وإن احتمت في بندها الأول بـ(الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة).. إلا أنها سرعان ما هونت من شأن وأهمية القرار رقم 2216 المحوري.. عندما أشارت إليه بقولها (بما فيها 2216)!! ولكن (وفق آلية تنفيذية يتم التوافق عليها)!؟ بل و(مع التحفظ على العقوبات الصادرة بحق المواطنين اليمنيين) وهما كما يعلم الجميع: (عبدالملك الحوثي) والمخلوع (علي عبدالله صالح)، ثم أخذت تلك البنود السبع تملي شروطها بعد ذلك على (المشاورات) وكأن الحوثيين هم من بيدهم أمر اليمن كله.. بادئة بمطلب (الوقف الدائم والشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف).. ليس حباً في اليمنيين ولا خوفاً عليهم.. بل تمكيناً لقبضتهم على صنعاء وتعز والحديدة.. فـ(انسحاب كل الجماعات والميليشيات من المدن وفق آلية تؤمن سد الفراغ الأمني والإداري).. دون الإشارة صراحة إلى (الميليشيات الحوثية)، التي كانت وليس غيرها.. السبب الرئيسي وراء كل ما لحق باليمن من خراب ودمار وموت لآلاف اليمنيين وتشريد للملايين من أبنائه وتجويع للبقية منهم.. فـ (إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين من كل الأطراف.. بمن فيهم من وردت أسماؤهم في قرار مجلس).. فـ (عودة حكومة خالد بحاح لممارسة مهامها «كحكومة تصريف أعمال» لفترة لا تتجاوز 90 يوماً يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية)؟ أما الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي.. فلا مكان له من الإعراب في أجندة البنود السبعة أو عند الحوثيين أنفسهم.. فـ (تسليم السلاح الثقيل إلى الدولة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل)!! الذي لم تكن له علاقة بتسليم الأسلحة ثقيلة كانت أم خفيفة.. لأنه أنهى أعماله - في مطلع عام 2014م - وسلم مخرجاته للجنة (صياغة الدستور).. قبل أن تبدأ هذه (الهوجة) أو الفوضى الحوثية المتآمرة مع صالح في الداخل.. ومع إيران في الخارج.. !! لكنها (المراوغة) الحوثية الصالحية، واستخدامها الساذج لكلمات كـ(الحوار الوطني اليمني الشامل).. أو كـ (قرارات مجلس الأمن ذات الصلة).. للدفاع عن مواقفها أو تمرير أهدافها.. في وقت يعلم فيه حضور مشاورات - وليس محادثات - بيال السويسرية.. ومن الجانبين: بأن أول من حطم مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.. وقطع الطريق عليه هم (الحوثيون) بعد أن جروا الرئيس عبدربه للتوقيع على (اتفاق السلم والشراكة)، وأنهم أول من أعلن جهاراً نهاراً عبر قناة الميادين الإيرانية بأن قرار مجلس الأمن 2216 لا يعنيهم ولا يهمهم كـ (إعلان الرياض).. إلا أنهم عادوا في شهر سبتمبر الماضي وأعلنوا عن موافقتهم على تنفيذه.. ليراوغوا عند انعقاد هذه (المشاورات) في بيال السويسرية، ثم يرجعون عن ذلك عشية انعقاد هذه المشاورات بما أسموها (النقاط السبع)..!!
* * *
على أي حال.. فقد دخلت مشاورات (بيال) السويسرية خلال أيامها الثلاثة الأول في جدل (حوثي صالحي) بيزنطي: فالحوثيون يريدون أولاً (وقفاً دائماً لإطلاق النار) لا تخفى أسبابه.. بينما تريد (الشرعية) انتهاز فرصة وقف إطلاق النار - القابل للتجديد - لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين والمختطفين من الجانبين لبناء الثقة بينهما.. لكن الحوثيين يأبون ذلك، وهو ما سيتكرر حتماً مع كل بند من بنود هذه (المشاورات) الحائرة بين: (الأجندة الأممية) التي اعتمدتها (الشرعية) اليمنية.. و(النقاط السبع) التي يتمسك بها (الحوثيون الصالحيون)، وهو ما يستدعي - بالضرورة - تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومندوبه لدى اليمن وفي هذه المشاورات السويسرية (إسماعيل ولد الشيخ أحمد).. لفض هذا الاختلاف، والتأكيد على مندوبي الطرفين.. بالالتزام بما جاء في بنود قرار مجلس الأمن 2216 في مشاوراتهما، وإلا فإن هذه المشاورات.. سيكون مصيرها كما كان مصير سابقتها في جنيف: الفشل.. ليظل (السلام) بعيداً عن اليمن. ويا حرقة القلب على يمن عام 2010م، الذي استضاف في (عدن) وفي أبهى وأجمل حلة كأس الخليج في دورته العشرين، ويا حرقة القلب على جموع اليمنيين الطيبين الأبرياء.. الذين تحصدهم هذه الحرب الحوثية الصالحية الإجرامية.. التي لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل..!!