د.ثريا العريض
عادة عند نهاية العام يتوقف المرء لمراجعة العام المنصرم.. ماذا حمل له من خير ومن تحديات ويخطط للعام القادم بمشاريع وطموحات وميزانية جديدة.
العام الميلادي 2015 يشارف على الانتهاء.. وقد جاء منذ بدايته عاما مختلفاً مرتبكاً بمستجدات صعبة تستنفر انفعال الجميع. واتسم بتوترات متسارعة منذ ابتدأ وتوالت فيه الأحداث المصيرية على المملكة العربية السعودية بدءاً بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله وغفر له وتغمده واسع فردوسه-، ومروراً بانخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه البلاد كمصدر دخل ريعي شبه معتمد عليه تماماً في توليد ميزانيات الدولة؛ ثم تبلور داعش في الجوار بصورة لا تفسير واضح لتفاقمها حركة شيطانية تتمدد شرورها ودمويتها عالمياً, تتصاعد بإثارة الفوضى واستفزاز الفئات المذهبية للتنافر والتناحر بشراسة مريعة التفاصيل, من تفجير المساجد المكتظة بالمصلين بالأحزمة الناسفة، محاولات ترويع الناس وخلق حالة من التصدع والفوضى.. فشلت والحمد لله في تحقيق أهدافها؛ وانتهاءً بإعلان عاصفة الحزم لمساعدة الأشقاء اليمنيين على التحرر من اختطاف الحوثيين بمساعدة إيران السلطة من حكومة اليمن الشرعية. هنا في مواجهة كل هذه التحديات المصيرية ابتدأت تتبلور أيضاً الشخصية الجديدة للمملكة في إعادة صياغة موقعها وعلاقاتها الداخلية والخارجية بتركيز على ترتيب هيكلة جديدة للسلطة الأعلى تسمح بالتحكم في مجريات الأمور المستجدة. ومر عام من الأحداث السريعة من الصعب اختصارها في مساحة مقالة ولكنها مثلت تحركات سريعة لمواكبة المتغيرات والتعامل مع ما يمكن أن تحمله من تداعيات مصيرية.
سرعان ما اتضح للجميع أنها سنة انتقال من وضع معتاد مريح إلى وضع التأهب والتغير.. وأصبح معتاداً أن نتوقع صدور أوامر ملكية تغير المعينين في مواقع المسؤولية لتحملهم مسؤوليات أخرى يستطيعون القيام بها على وجه أكمل. وإذ اتضح أن التحدي الأكبر هو الحفاظ على التوازن الاقتصادي, وأن الخروج من روتين الرتم البطئ في تسيير الأمور لا يمكن أن يستمر في مرحلة تتطلب القرار السريع والجهوزية للتعامل مع الضغوط المتكالبة، اتضح أيضاً ضرورة التحكم في الزمام بصورة أدق.
يوم الأريعاء الماضي مثل نقطة زمنية بارزة تعلن تحولاً جذرياً, لا يأتي كردة فعل, بل باستعداد مسبق تأخذ فيه المملكة دور الفاعل لا المفعول به. بهدوء بعيد عن الصخب الإعلامي والخطابيات، أمام جمع من المدعوين لتبادل الرأي والاستنارة بمرئياتهم في استكمال تفاصيل خطة البرنامج أشرع سمو ولي ولي العهد محمد بن سلمان رئيس المجلس الأعلى للاقتصاد والتنمية الفصل الأول في برنامج للتحول الوطني, مبنيا على قاعدة من مبادرات التكامل والتنسيق بين الوزارات، لتحقيق الهدف الأعلى لحماية الوطن واستمرارية بنائه في وجه الهزات الاقتصادية والسياسية. برنامج يفعل فيه القطاع الحكومي والخاص والمجتمع كل في دوره، لمضاعفة المردود وترشيد الإنفاق وتوليد دخل يدعم ويعوض هبوط الدخل الريعي المعتاد دون الحاجة للسحب من الاحتياطي. ثم انطلق كل وزير يعرض ما ارتأته الوزارة من مبادرات وما اختارته من مؤشرات قياس الأداء التي ستحكم بها على مدى نجاحها في تحقيق ما وضعته لنفسها من برامج قادمة. توجه جديد، يستبدل الخطط الخمسية, بتنفيذ مشاريع تنمية مستدامة, ومراجعة مستمرة وجداول زمنية لتحقيق المأمول.
ضمن المدعوين استمعت لشرح سمو الأمير وعروض ووعود الوزراء.. وتنفست الصعداء. يحق لي الآن التفاؤل إذ أرى النور في نهاية النفق. الإرهاب أو إيران أو هبوط أسعار النفط نحن متأهبون كما جيشنا على الحدود, ورجال أمننا للتدخل السريع.. هذا الوطن الغالي برعاية الله، في أيدٍ أمينة لن تدعه يغرق في سيول المستجدات المفاجئة.