نجيب الخنيزي
يحتفل العالم بيوم حقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام، ويرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» وقد تكرس الاحتفال به من قبل الجمعية العامة في عام 1950م. وبهذه المناسبة جرى تكريس احتفالات هذا العام ولمدة سنة للاحتفاء بذكرى السنوية الخمسين لصدور العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان الذين اعتمدتهما الجمعية العامة في 16 ديسمبر 1966 وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويهدف شعار الاحتفال بهذا العام: «حقوقنا وحرياتنا دائما» الذي أطلقته الأمم المتحدة إلى إذكاء الوعي بالعهدين في الذكرى السنوية الـ50 لهما. وتدور الحملة التي ستمتد على مدار العام على موضوع الحقوق والحريات (حرية التعبير وحرية العبادة وحرية التحرر من العوز وحرية التحرر من الخوف) والتي من شأنها تدعيم الشرعة الدولية لما لها من أهمية في الزمن الحاضر تماماً، كما الأهمية التي كانت لهن عندما اعتمدن قبل 50 عاماً مضت بل تزيد، خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، حيث الحروب الأهلية والصراعات المذهبية - الإثنية وشيوع منهج التكفير وممارسات العنف والقتل على الهوية من قبل الجماعات الإرهابية من مختلف المذاهب والنحل، جارفة بذلك الحق الأولي للإنسان وهو الحق في الحياة، ناهيك عن حق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
على صعيد المنطقة العربية والإسلامية علينا أن نتواضع، ونقر بأن تشريعات وثقافة وممارسات حقوق الإنسان تكاد تكون معدومة في التراث العربي الإسلامي، وأنها لازالت ضعيفة الجذور في ثقافتنا السائدة، وبالتالي هي «ليست بضاعتنا وُرَّدت لنا» بل هي بضاعة وافدة ومستوردة من الخارج، وبالتحديد من الحضارة الغربية، غير أن ذلك لا يعني غياب مضمون ومحتوى حقوق الإنسان في ديننا الحنيف وفي السيرة النبوية الشريفة، وسيرة الخلفاء الراشدين.
التغيرات في البيئة العالمية والضغوط والمطالب الدولية إلى جانب المتطلبات والتحديات الوطنية الداخلية، كل ذلك فرض استجابة البلدان العربية والإسلامية بشكل خجول ومستويات مختلفة لتلك المطالب والضغوط، سواء كان ذلك بالاختيار وغالباً بالإكراه. عملية التأثر بمنجزات الحضارات الأخرى أو الحضارة الكونية المشتركة ليس بدعة في الحضارة الإسلامية، وهنا أستعيد قول مؤسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ ابن خلدون في مقدمته حين كتب «إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».. أما الفيلسوف الكبير ابن رشد، فقد ركز على زاوية أخرى تتجاوز مفهوم الغلب والعصبية، ليتجه إلى تقديم أولوية علاقة التلاقح، والتثاقف بين الحضارات بقوله: «إن الآلة التي تصح بها التذكية (الذبح الشرعي) ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة المشارك لنا في الملة أو غير مشارك، إذا كانت فيها شروط الصحة».. ووفقا لهذا التحليل فإن ذلك ينطبق على حضارات ما قبل الإسلام وما بعده، كما تمثله الإسلام في تفاعله وانفتاحه مع المنجز الحضاري للآخر، بغض النظر عن منبعه ومصدره، وتجسد في عصره الزاهي، قبل أن تدخل المجتمعات العربية - الإسلامية، بفعل الاستبداد والتجهيل وتغيب العقل، عصور الانحطاط التي دامت قروناً ولا نزال نعاني تداعياتها المفجعة حتى الآن.. لذا مهما ذهبنا بعيداً في التفاؤل علينا أن نعرف أن التطرق إلى موضوع حقوق الإنسان في جل البلدان والمجتمعات الإسلامية وخصوصاً البلدان العربية منها لا يزال شائكاً ومحفوفاً بالمخاطر والتبعات المختلفة. من هنا نتفهم ونقدر جهود (اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان) ومعها (الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان) في بلادنا لأنهم يسيرون في درب وعر وصعب مليء بالتعقيدات وشتى صنوف الممانعة، إذا قارناها بغيرها من المنظمات والجمعيات الخيرية والمهنية القائمة في بلادنا. في كل الأحوال علينا أن نقر بأن مصطلح ومفهوم حقوق الإنسان كما غيرها من المفردات والمفاهيم مثل الدستور، المواطنة، الديمقراطية، التعددية الحرية، ارتبطت عضوياً بالمنجز الحضاري للغرب وهذا لا يجعلنا بالطبع نغفل الوجه الكريه والجانب البشع لهذه الحضارة الرأسمالية سواء في مرحلتيها الاستعمارية (الكولونيالية والإمبريالية) أو شكلها المعاصر المتمثل في العولمة وآليات هيمنتها المختلفة.