د.علي القرني
لا شك أن تجربة دمج وزارة التربية والتعليم مع وزارة التعليم العالي كان لها رؤية إستراتيجية مهمة في محاولة لبناء مسار تعليمي واحد وخط إنتاجي واحد لأبناء وبنات هذا الوطن من مرحلة الروضة إلى مرحلة الجامعة، وبهدف تنسيق جهود الوزارتين في وزارة واحدة، ولكن بعد أشهر طويلة جدًا تكشفت صعوبة المهمة، وتولدت مشكلات عديدة لم تكن موجودة سابقًا، كما جاء اهتمام الوزارة
الجديدة بقطاع وإهمال قطاع آخر. ومن هنا فإننا نرى أنه ربما أن الأوان آن يتم الفصل بين الوزارتين وتعود وزارة التعليم العالي مستقلة مضافًا لها البحث العلمي كمجال إستراتيجي مهم للدولة والمجتمع.
ومسببات الفصل كثيرة، لكن ربما من أهمها ما يلي:
1. وزارة التربية والتعليم كما كانت سابقًا لديها حمل كبير جدًا من المسؤوليات حيث إدارات التعليم بمختلف مناطق المملكة وفيها محافظات ومراكز عديدة ومدارس بمختلف المراحل، إضافة إلى قضايا مركزية عن المناهج والمعلم والمشروعات البنائية والنقل، إضافة إلى المدارس الخاصة وقضايا المالية والميزانية وغيرها من الإدارات التي تستوطنها مشكلات مزمنة على مر العقود وتتجدد سنويًا. وهذه الوزارة تعد بذاتها عبئًا كبيرًا من الأعداد البشرية من الطلاب والمعلمين والموظفين، وارتباطاتهم بأسرهم بما يصل في نطاق وحجم الوزارة إلى معظم سكان المملكة ممن لهم اهتمام ومتابعة وتدقيق ونقد واستفسار عن عمل الوزارة، ناهيك عن الإعلام واهتمامه المستمر بقضايا وموضوعات ومشكلات هذه الوزارة. وبمعنى آخر فإن هذه الوزارة تكاد لا تقوم بدورها مع حجم المسؤوليات التي تناط بها، فما بالك إذا أضيفت إليها وزارة أخرى كالتعليم العالي.
2. وزارة التعليم العالي هي من أهم مخرجات التنمية السعودية خلال العقود الماضية، لأنها استطاعت أن تبني الإنسان السعودي المتخصص الذي يسهم في بناء المجتمع وفق تخصصاته الجامعية. ومن ثمرات التنمية السعودية إنشاء الجامعات في مختلف المناطق الإدارية وفي بعض المحافظات مما هيأ للطالب أو الطالبة أن ينخرط في التعليم الجامعي وهو في مقر سكنه الأسري في أغلب الأحوال. ووجود حوالي أربعين جامعة وحوالي أربعمائة كلية جامعية وأكثر من مليون طالب جامعي كلها تحتاج إلى جهود نوعية من خلال وزارة مستقلة. والجامعات فعلاً بما تقوم بها من أدوار تعليمية ومجتمعية ومؤسسات التعليم العالي بأجمالها تستحق أن يكون لها وزارة للتعليم العالي. وخلال السنوات الماضية كانت هناك توجهات لإضافة مسؤولية البحث العلمي لوزارة التعليم العالي نظرًا لإحتياج المجتمع أن يكون لديه تخطيط مركزي للبحث العلمي بما يخدم قطاعات الدولة واقتصادياتها ومجتمعها من خلال الجامعات أو مؤسسات وهيئات بحثية وطنية.
3. دمج الوزارتين جاء على حساب بعض القطاعات الكبرى للوزارة الجديدة، حيث تهمش دور التعليم العالي في ظل هذه الوزارة، وكأنه نسيًا منسيًا، مع اهتمام أكبر في قطاعات جماهيرية لكسب شعبية معينة. وإذا نظرنا في قيمة التغيرات التي طرأت على الوزارة الجديدة لن نجد الكثير من التطورات التي تحتاجها مثل هذه الوزارة، لسبب مقنع جدًا وهي الحمل الكبير الذي كان يعاني منه الدكتور عزام الدخيل وحاليًا خليفته الدكتور أحمد العيسى يحتاج إلى وزارة تصريف الأعمال وليس إلى تطوير الأعمال، رغم الجهود الكبيرة التي تبذل في ذلك. وهذا الضغط الهائل على العمل التنفيذي اليومي يكرس مفهوم وزارة تصريف الأعمال، وينأى بها عن وزارة تطوير الأعمال فليس هناك وقت أو مسؤولون يقوم بمثل هذه الإدوار التطويرية للوزارة.
ومن هنا وبناء على هذه المعطيات، فإن الفصل بين الوزارتين بات متوقعًا لأن التجربة وبكل موضوعية لم تكن ناجحة، ولا نحتاج أن نضيع الكثير من الوقت في استمرار هذه التجربة. ولو نظرنا إلى تجارب حولنا في الدول العربية والإسلامية فسنجد الفصل بين الوزارتين موجود بالرغم من أن عدد المدارس وعدد الجامعات وعدد المعلمين وعدد الأساتذة هي أقل بكثير مما نحظى به في بلادنا، وكانت ماليزيا كدولة إسلامية نموذجية قد ارتأت مؤخرًا أن تفصل بين الوزارتين في تجربة دمج لم تكن ناجحة. والتقسيم المراحلي للتعليم (تعليم عام وتعليم عالٍ) هو الخطوة الطبيعية التي نحتاجها في هذه المرحلة، لتكتسب كل وزارة رجالها ومسؤولوها ووظائفها واختصاصها. وما يعزز فرص أحداث مثل هذا التغيير هو أن القيادة الحكيمة لبلادنا ولله الحمد لديها رؤية سديدة في استجلاء الوضع وتشخيص المشكلة وبناء الحلول لها. والمملكة في عهد ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- هو صاحب رؤية استشرافية ولا تقبل المجاملات في كل ما يختص بالشأن العام الذي يتقاطع مع مصالح الدولة وشؤون المواطن.