يوسف المحيميد
في الخطاب السنوي لخادم الحرمين الشريفين أمام الشورى، خلاصة رؤية الدولة تجاه عدة قضايا سياسية واقتصادية، قضايا مهمة جداً ومؤثرة، فنحن في حالة حرب في الحد الجنوبي، لإعادة الشرعية في اليمن ضد الانقلابيين، وبحث استقرار اليمن كي لا يتحول إلى بؤرة صراع طائفي ومذهبي، وأيضاً السعي دبلوماسياً إلى بقاء سوريا وطناً موحداً يضم كل الاختلافات الطائفية، والتصدي للإرهاب العالمي، وغيرها من القضايا السياسية التي تؤكد على مكانة المملكة ودورها إقليمياً ودولياً.
أما ما يعني المواطن، في هذا الخطاب، فهي القضايا الاقتصادية، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط، وارتفاع معدل الدين العام لدى كثير من الدول في العالم، مقابل انخفاضه في المملكة، وأهمية العمل بدأب وحرص كبيرين على تنفيذ برامج تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، ورغم أن هذا الهدف يعد من أولويات الدولة منذ عقود مضت، إلا أنه يُعد الآن أكثر إلحاحاً، ومن وجهة نظري البسيطة، أننا ما لم نتحرك قبل العام 2020، لإيجاد مصادر دخل جديدة للدولة، فسنخسر كثيرا، ليس بسبب انخفاض أسعار النفط فحسب، فهذه الأسعار قد تعاود الارتفاع نهاية العام القادم، أو في أي لحظة عند توقف الإمدادات لأسباب طبيعية أو حروب، وإنما لتلافي أي انخفاض مستقبلي في الأسعار، وأيضاً لكون النفط مورداً طبيعياً ناضباً مع الوقت، فهو ليس مصدراً أزلياً، بمعنى أن الأجيال القادمة قد تتورط عند نضوبه، لذلك يجب أن نتخلص من الاسترخاء حينما ترتفع أسعار النفط، ثم الحراك حينما تنخفض الأسعار، وتقل إيرادات الدولة، فلابد من العمل فعلاً، وليس قولاً، على تنويع مصادر الدخل، وذلك وفق خطط تنموية طويلة وقصيرة الأجل.
الأمر الآخر، وهو الأكثر أهمية، وأعتبره عنوان المرحلة القادمة، فهو التأكيد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وهذه خطوة مهمة للغاية، فقد حرصنا على مدى عشر سنوات على زيادة الإنفاق الحكومي مع ميزانية كل عام، وتفاخرنا بذلك، وأن ميزانيتنا تنمو كل عام، صحيح أننا أنجزنا عدداً من المشروعات الاقتصادية، والبنى التحتية، ومشروعات النقل، وغيرها، لكننا الآن بحاجة ماسة إلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، لأن الإنفاق الضخم لا يعني شيئاً ما لم يرتبط بالكفاءة والدقة والإخلاص في هذا الإنفاق، وأن يذهب بالضبط إلى موضع الإنفاق الحقيقي والضروري، كي لا تُهدر الثروات في غير مكانها المطلوب، وهو ما ظللنا سنوات ننادي به، خاصة حينما نجد مشروعات في دول أخرى، مشابهة لمواصفات مشروعاتنا، لكنها تُنجز بتكلفة أقل، وبجودة أعلى!
أعتقد أن عنوان المرحلة على المستوى الاقتصادي، هو أن تسير البلاد على قدمين، إحداهما تحقيق الموارد الاقتصادية المتنوعة، بتعدد مصادر الدخل الحكومي، والثانية استخدام هذه الموارد بكفاءة عالية في الإنفاق الحكومي، وإذا استطعنا تحقيق هذين الأمرين معاً، فحتماً سنخطو باقتصادنا إلى المزيد من التوازن والاستقرار في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تحيط بنا!