يوسف المحيميد
إذا كنا نريد قياس أداء الجهات الحكومية؛ كي نستطيع رفع الأداء، بأن نكافئ المنجز والمخلص، ونعاقب المهمل والمتهاون والمتخاذل، فلنبدأ بالوزارات الخدمية ذات العلاقة المباشرة بالمواطن، كوزارة الصحة التي تورطت قبل يومين بحريق مستشفى جازان العام، الذي كانت حصيلته 24 وفاة، و123 إصابة. ولا يكفي معاقبة مدير المستشفى أو الكوادر الإدارية فيه؛ لأن الأمر قاسٍ فعلاً، ومؤلم للغاية؛ فكيف لمريضة منومة في حالة عابرة وبسيطة تموت حرقاً؟ وكيف لطفل أو أُمّ أو مرافق، وحتى موظف وعامل وممرض وممرضة، يموتون في يوم عمل عادي؛ بسبب إهمال، وعدم التعامل بجدية مع تحذيرات الدفاع المدني، خاصة وقد انتشر خطاب يحذر من عدم تطبيق إجراءات الأمن والسلامة في مبنى المستشفى؟!
وقد لا يرتبط الأمر بمستشفى، وإنما بأي مبنى يضم عدداً من العاملين والمستفيدين من خدماته، كالمستشفيات والمدارس والجامعات والجهات الحكومية والمصانع والشركات وغيرها. كل هذه التجمعات يفترض أن تطبِّق أعلى درجات الأمن والسلامة، ويجب أن تتم مراجعة دورية لكفاءة أجهزة الإطفاء، ومخارج الطوارئ، وإجراء تجارب الحريق الوهمي مرة أو أكثر خلال العام. أما أن ترد خطابات واضحة وصريحة تؤكد عدم تطبيق قواعد وإجراءات السلامة في هذا المستشفى، ويتم التعامل معها بلا اكتراث، فهو منتهى الإهمال والتهاون بحياة البشر!
في كثير من دول العالم لا يمكن أن تمر سنة كاملة دون إجراء تجربة أو أكثر لحريق وهمي، وتُجرى بشكل تطبيقي جاد، ويتم فيها إخراج سكان المبنى عبر سلالم وأبواب الطوارئ، وتُستخدم أدوات وأجهزة الحريق، بينما نحن لا نقوم بمثل هذه التجارب في المباني الحكومية، بل نتجاهل التحذيرات الرسمية حول عدم ملاءمة المبنى لقواعد السلامة!
لن أتهم وزير الصحة الذي لم يمضِ على استلامه حقيبة هذا القطاع إلا بضعة أشهر، ولعله في تغريدتيه بحسابه بتويتر، وقد حمَّل نفسه مباشرة هذا الخطأ - مع أنه ليس مسؤولاً عنه - ووعد بإجراء مسح شامل لجميع المستشفيات بالمملكة، يجعلنا ننتظر الوزير الفالح، وهو القادم من أعلى مستوى إداري في أكثر الشركات الوطنية كفاءة وانضباطاً، وهي أرامكو السعودية، بأن ينفِّذ وعده، ويحقِّق حلم هذه الوزارة التي لم تعرف معنى الانضباط، وتطبِّقه، إلا في زمن الراحل غازي القصيبي - يرحمه الله -.
نحن في زمن الحزم، في الداخل قبل الخارج، ولا يكفي تقديم العزاء للموتى ومواساة الجرحى، بل لا بد من التحقيق والمحاسبة، ولا بد أيضاً من تلافي ذلك مستقبلاً، بإجراء كل الاحتياطات المتخذة في جميع دول العالم المتقدم.
رحم الله الموتى، وألهم أهاليهم الصبر والسلوان، وخالص الدعاء بشفاء المصابين، وعودتهم إلى بيوتهم وأسرهم.