د. أحمد الفراج
السياسي الناجح، والزعيم العظيم، لا تصنعه الدعاية، ولا الشهادات العلمية، فالزعامة موهبة فطرية، يتم صقلها بالتجارب الحية، ولدينا الآن شاهد حي على ذلك، ممثلاً بالحاكم، جيب بوش، المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، فقد كان ترشحه وبالاً عليه، وعلى مجد أسرته، وعلى الرغم من متابعاتي للساسة والسياسة، وبالذات الحراك السياسي الأمريكي، إلا أنني لم أشهد سياسيًا يعيش إحباطًا عظيمًا، كالذي يشهده بوش الصغير، هذه الأيام، فبالرغم من الترويج المبالغ فيه له، منذ زمن طويل، وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي جمعتها حملته الانتخابية، ومع أنه ابن لرئيس سابق، وأخ لرئيس آخر، إلا أن وضعه مأساوي، فقد فشل في كل محاولاته لإقناع الناخب الأمريكي، إِذ إنه، ومع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية لولايتي أيوا ونيوهامشر، ما زال يقبع متأخرًا في ذيل قائمة مرشحي الجمهوريين، متأخرًا حتى عن بعض المرشحين المغمورين، مثل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس، السيناتور تيد كروز، الذي يصعد نجمه بسرعة كبيرة.
هذا الإخفاق الكبير لجيب بوش تسبب في فقده لأعصابه في مرات كثيرة، كان آخرها قبل أيام، عندما قال لجمع انتخابي: «هل تسمحون لي أن أقول عبارة لن أرتاح حتى تخرج من صدري»، وقبل أن يردوا عليه، قال بغضب: «إن دونالد ترامب شخص حقير!!»، ثم أردف: «آه.. الآن أشعر براحة كبيرة، فشكرًا لكم!!»، وهذا يشرح الحالة النفسية التي يمر بها جيب بوش، إِذ كان يتصور أن اسم عائلته سيكون مفتاحًا سحريًا له، كما كان الأمر عندما ترشح لحاكمية ولاية فلوريدا، وفاز بها، وإذا بهذا الأمر ينقلب ضده، فعلاوة على رسوبه بامتياز، عندما حانت ساعة الحقيقة، فإنه ربما أدرك للتو أن الشعب الأمريكي ضاق ذرعًا من أسرة «آل بوش»، وليس مستعدًا أن يقامر بانتخاب «بوش آخر»، بعد الكوارث التي يرى الشعب الأمريكي أن شقيقه جورج بوش الابن جلبها على الإمبراطورية الأمريكية، وليس أسوأها، بالتأكيد، انتخاب ذات الشعب للرئيس «الناعم»، باراك أوباما، كردة فعل على سياسات بوش الابن العدائية، التي تسببت في حربين، ومقتل وإصابة آلاف الجنود الأمريكيين.
يبدو أن جيب بوش سيكون خارج سياق الانتخابات، وتكمن مأساة الحزب الجمهوري في أنه راهن كثيرًا عليه، فهو المرشح الذي يأمل الحزب أن يستطيع هزيمة المرشحة الديمقراطية المحتملة، هيلاري كلينتون، وهذا لن يحدث، فلا زال المرشح دونالد ترامب يتصدر السباق الجمهوري، رغم كل أخطائه الكارثية، فهي أخطاء بالنسبة لنا، أما بالنسبة للمحافظين من الشعب الأمريكي فهي «مميزات»، خصوصًا بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة، التي يلعب ترامب على أوتارها بنجاح منقطع النظير، ولكن الأخبار السيئة للحزب الجمهوري، التي يدركها القائمون عليه، هي أن ترامب قد يفوز بترشيح الحزب الجمهوري، ولكنه سيخسر أمام الديمقراطية، هيلاري كلينتون، وهذا ما جعل بعض الجمهوريين يزعم بأن دونالد ترامب تم زرعه من قبل الديمقراطيين بغرض تدمير فرص الجمهوريين للفوز بالرئاسة القادمة!!، وهو زعم لا يستند إلا على أوهام، فترامب يمثل القيم الحقيقية التي يؤمن بها الجمهوريون، ولكنه أشجع منهم في الإعلان عنها، ولذا فعليهم أن يصمتوا، ويقبلوا الواقع المرير!!.