اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
بقدر ما يعذُب الحديث عن قادتنا العظماء، وأبطالنا الأشاوس، وفرساننا الشجعان ويطيب، يتهيب المرء عندما يود الكتابة عنهم، إذ لا يدري من أين يبدأ أو إلى أين ينتهي؛ فكل واحد منهم يمثل أمَّةً كاملة تامة، حمل الراية، فحفظ العهد، وسار على طريق المجد، وأضاف إنجازات مدهشة إلى سجل سلفه في التنمية والتطوير والبناء على كل الأصعدة، ممهداً الطريق لخلفه ليضيف المزيد ويأتي بالجديد.
وهكذا استمرت مسيرة الخير القاصدة، إلى أن أصبحنا اليوم في عهد والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه.. قائد الحزم والعزم والثّبات والأمن والأمان والاطمئنان؛ الذي يدرك يقيناً أكثر من أي واحد منّا، توجس العالم، وتربص الشامتين المثبطين ببلادنا، كلما انتقلت الراية من سلف إلى خلف، حسبما تقتضي مشيئة الله تعالى في خلقه، أولئك الذين يتحرقون شوقاً لانفراط العقد، وضياع الهيبة وأفول نجم الدولة. فيفاجئهم سلمان الشجاعة والشهامة والفراسة والوفاء، في أول بيان بعد استلام الراية وقيادة الدفّة، ويوجز التاريخ والحاضر والمستقبل في ثلاث نقاط معدودات:
- منهجنا هو منهج الملك المؤسس عبد العزيز وأبنائه من بعده، لن نحيد عنه أبداً.
- دستورنا هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
- لن ندخر وسعاً في خدمة أمتينا العربية والإسلامية، سعياً لوحدة الصف وجمع الكلمة، للدفاع عن قضايا أمتينا.
كيف لا وهو القائد الشامل، الرجل الموسوعة، رائد التاريخ، الذي نهل من معين والده المؤسس، الرجل الصالح الملك عبد العزيز آل سعود، ووالدته المرأة الصالحة، حصة بنت أحمد السديري، التي طالما كانت تردد، بل تعتز وتفتخر وتدرك جيداً، أنها تربي ملوكاً يتولون الملك عن جدارة، لا وراثة فحسب؛ فحقق الله رجاءها، ولم يخيب أبناؤها حسن ظنها، فعكف سلمان كإخوته الميامين الكرام، على تثقيف نفسه وتعليمها وتدريبها، فلم أعرف اليوم أحداً في مثل موقعه تضم مكتبته الخاصة أكثر من عشرين ألف عنوان؛ أضف إلى هذا ما وهبه الخالق سبحانه وتعالى من فطرة سليمة، وشخصية قوية مؤثرة، وقوة عزيمة، ومضاء شكيمة، وشجاعة نادرة، وهمة عالية، ونفس كريمة، ويد سخية، وكف ندية، وقلب خاشع، وحزم لا يعرف التردد والخذلان والتسويات الرمادية؛ فكان بذلك قائداً فذّاً، وبطلاً هماماً، وفارساً مقداماً، لا تلين له قناة، ولا تسقط له راية.. أشبه أبناء والده به، كما أكد كل من عاصر عبد العزيز أو قرأ تاريخه، وعرف سلمان عن قرب. وتحضرني هنا أبيات من قصيدة نبطية شامخة، للشاعر إبراهيم بن راشد بن عبد الله الكويبين، نشرت بجريدة الجزيرة، الجمعة 8-2-1437هـ، الموافق 20-11-2015 م، العدد 15758، ص 9، يؤكد فيها هذا المعنى، إذ يقول، مخاطباً مقامه الكريم:
مثل الملك عبد العزيز اللي قدر
يجمع شتات ربوعها بأوطانها
ومثل الملك عبد العزيز اللي شهر
سيفه على العدوان في ميدانها
ومثل الملك عبد العزيز اللي جبر
مكسورها وأعطى الوفي ديانها
ومثل الملك عبد العزيز اللي عمّر
قصور الكرم ومشرِّع بيبانها
ومثل الملك عبد العزيز اللي سهر
ليا رقدت شيبانها ورعانها
إلى أن يقول:
خاض المعارك في المهالك وانتصر
على جيوشٍ راقصٍ شيطانها
ويوافقه في هذا الشاعر طلال العبد الله الجبر الرشيد، الذي يؤكد شبه والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله ورعاه، بوالد الجميع المؤسس الباني، طيّب الله ثراه، الرجل الاستثنائي، الذي كتب التاريخ اسمه في قائمة المجد بمداد من نور، إذ يقول مخاطباً المقام الكريم في قصيدة بعنوان (مثل أبوك)، نشرت بجريدة الرياض، يوم الاثنين 17-4-1437هـ، الموافق 6-4-2015 م، العدد 17087، ص 10:
أنت يا سلمان فعلك مثل أبوك
تفعل الأفعال ما تعرف كلام
أنت بمعزي وفعله شبّهوك
تضرب بيمناك ما تخشى ملام
والحقيقة، كثر هم أولئك الشعراء المجيدين المخلصين، الذين أبدعوا في تجسيد هذا المعنى، الذي يؤكد لكل من عشق عبد العزيز وأحبه وأخلص له وتمنى رؤيته، أن يراه اليوم يمشي بيننا في سلمان.. أشجع الشجعان، الذي فاجأ أولئك المتربصين المثبطين الشامتين بقرارات حازمة حاسمة مطردة، لترتيب شؤون الدولة ورعاية مصالح الناس؛ ثم يفاجئ العالم أجمع برياح حزم عاتية، أسقطت كل أوراق التوت اليابسة (بزخّة) واحدة، وكشفت المؤامرة، فتساقطت معها حبات عقد المحور الجامح الذي طالما حلم بسوريا الكبرى والهلال الخصيب؛ ليس هذا فحسب، بل أحرج الدول التي ترى في نفسها ضامناً لسلام العالم وأمنه، فلم تجد بدّاً من تأييده ودعم جهوده، بعد أن أذهلتها قدرته الفائقة على توحيد الصف وجمع الكلمة للدفاع عن قضايا أمته، تأكيداً لما أعلنه إلى العالم أجمع في أول بيان له، فجر الجمعة 3-4-1436هـ، الموافق 23-1-2015 م، إثر رحيل فقيدنا الكبير الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله.
وللمرء أن يتساءل: كيف تسنى لرجل تشكيل تحالف بهذه السرعة، ثم قيادته لشن حرب خلال سهرين اثنين فقط من توليه سدة الحكم؟ وهنا تكمن حقيقة القائد وحكمته ورجاحة عقله، وقدرته وشجاعته، وقراءته الصحيحة لخارطة المنطقة والعالم السياسية. وفي هذا أيضاً برهان صادق، ودليل دامغ على أن الرجل كان قائداً جسوراً (غير متوّج) لما يزيد عن خمسة عقود، قضاها أميراً لمنطقة الرياض، التي عشقها سلمان بكل وجدانه ورفض بسبب حبه لها كل المناصب، فقد أسرّ إليَّ بعض المقربين من مقامه الكريم، أنه رفض منصب رئيس الوزراء الذي عرض عليه أكثر من مرة، ليكرس حياته للرياض، التي يرى فيها بانوراما شاملة للمملكة، كما كان يؤكد دائماً: (إن عملي في الرياض، لم يعنِ فقط الاهتمام بالرياض وحدها، بل لأن الرياض رمز لهذه المملكة). إذن كان الرجل شريكاً أساسياً في صياغة القرارات الوطنية بكل كفاءة وجدارة ومسؤولية؛ ويتضح هذا في كل لقاءاته تقريباً أثناء إمارته على منطقة الرياض، واكتفي هنا بما جاء في كلمته، يحفظه الله ويرعاه، في حفل الاستقبال الذي أقامه عمدة باريس لمقامه الكريم أثناء زيارته لها في 6-1-1406هـ، الموافق 20-9-1985 م، إذ يقول: (... فأنا لست إلا مواطناً آمن بقدر بلاده وبدورها في مباشرة مسؤولياتها أمام العالمين الإسلامي والعربي، وبقناعتنا في إقامة أمتن الروابط مع الدول الصديقة مثل فرنسا...).
يضاف إلى هذا، أن تسنّمه وزارة الدفاع إثر رحيل فقيدنا الكبير سلطان الخير، درع الأوطان، ثم ولايته العهد خلفاً لفقيدنا الكبير أيضاً نايف الأمن والأمان، جعلته في قلب قواتنا العسكرية بكل تشكيلاتها، فقد رأيناه يزورها في كل الوحدات، يجالس أفرادها في المخيمات ويشاركهم الطعام، متفقداً أحوالهم، ومطمئناً على استعدادهم للذود عن مقدساتهم وحمى بلادهم. ولهذا عندما هرع يلبي نداء الأشقاء في اليمن الحبيب، استناداً إلى قرار مجلس الأمن (2216) ضد الانقلابيين على الشرعية، الذين استقووا بالخارج للسيطرة على السلطة وتنفيذ أجندة معادية لأمة العرب والإسلام؛ مكوناً تحالفاً عربياً قوياً في لمح البصر، ثم نجح في قيادته كما لم ينجح أي زعيم غيره في تاريخنا العربي الإسلامي المعاصر؛ عندما فعل سلمان ذلك، كان قائداً واعياً بما يفعل، مطمئناً لسلامة منهجه، وقدرات بلاده واستعداد أفراد قواته، واثقاً في بسالتهم وشجاعتهم وحبهم لبلادهم وولائهم لعقيدتهم وإخلاصهم لقيادتهم. فحقق خلال بضعة أشهر ما عجزت عن تحقيقه قوى عظمى في ظروف مشابهة في عقود، والشواهد كثيرة من أفغانستان إلى العراق فالصومال... والقائمة طويلة؛ كما أكد العميد الركن الأخ أحمد حسن عسيري، مستشار وزير الدفاع الناطق الرسمي باسم قواتنا البسالة. إذ تمكنت المقاومة الشعبية بقيادة السلطة الشرعية من استعادة 75% من الأراضي اليمنية، وانصاع العملاء المتمردون للجلوس على طاولة المفاوضات.
وعلى صعيد آخر، يبدع عقل هذا الرجل الكبير فكرة أذهلت العالم، بعدما أدهشته عاصفة الحزم التي أردفها سلمان بحملة سخية لإعادة الأمل، إذ نجح أيضاً في تشكيل تحالف عسكري إسلامي، ضمّ أربعة وثلاثين دولة في الحال، وأبدت عشر دول أخرى استعدادها للانضمام إليه، وحظي بإشادة العالم كله، باستثناء الدول الداعمة للإرهاب بزعامة إيران.. تقوده بلاده لكبح جماح هذا الداء العضال الذي استطال شرّه، وشاع في الناس فساده، فهدد سلام العالم وأمنه، وحوّل أوروبا إلى ثكنة عسكرية، وعطّل المدارس حتى في أمريكا، وأربك حياة الناس في كل مكان، وبدّل خوفهم أمناً، وزاد عدد المشردين والمهجرين من ديارهم عن ستين مليون نفساً بريئة، وأعاد البنية التحتية في البلدان التي فتك بها إلى العصور المظلمة؛ والأسوأ من هذا كله، غذىّ موجة الشعور المعادي للإسلام، وحوّل حياة الأقليات المسلمة في العالم إلى جحيم لا يطاق.
وبالزخم نفسه والعزيمة ذاتها، يقود سلمان حملة داخل بلاده على كل الخلايا الإرهابية، فيوقع بها يوماً بعد آخر. فهو إذن قائد فريد بحق، عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، إذ يكفي أنه حقق لنا في أسبوع واحد فقط، ما عجز رؤساء كثر في العالم عن تحقيقه في عام كامل، بشهادة الأمين العام للأمم المتحدة نفسه، بان كي مون. فلا غرو إذن إن تصدر قائدنا سلمان قائمة أقوى الشخصيات في العالم العربي، وحلّ الرابع عشر على مستوى العالم، حسب تصنيف مجلة فوربس الأمريكية، كل هذا النجاح الباهر والانجاز الظاهر، خلال عام واحد من الحكم، متقدماً على زعماء كثر، جالسين على كرسي الحكم منذ عقود. أجل، بل قل قائداً شاملاً، نقش اسمه في ذاكرة العالم كله، مثلما طبعه في وجدان شعبه من قبل بحسن سيرته فينا ونقاء سريرته، كما أكد الأخ الشاعر اللواء محمد حسن العمري في رائعته (بمليون تواسي في المآسي) التي نشرت بجريدة الجزيرة، الأحد 6-12-1436هـ، الموافق 20-9-2015 م، العدد 15697، ص 7، إذ يقول:
حباك الله يا سلمان حزماً
وإقداماً تفل به الحديدا
فأنت الحزم والإقدام يا من
بدأت بحزمك العهد المجيدا
وستبقى بإذن الله رمزاً
فريداً تنظم العقد الفريدا
ومع كل ما تقدم، وما تطلبه الأمر من جهد مضاعف من القائد الفذ سلمان، للعمل في أكثر من جبهة، بسبب ما تمر به منطقتنا من خطر داهم يهدد وجودها، لم يكن لرجل كبير مثل سلمان أن يتنازل عن دوره الاجتماعي، مهما كانت الظروف، فيدعو إخوته إلى داره ويحتفي بهم، ويشرفهم بزيارته لهم في دارهم، ويصل أرحامه، ويتفقد جيرانه، ويزور المرضى من أقربائه وعامة شعبه والعاملين معه، في المستشفيات، ويطمئن عليهم في بيوتهم، ويهاتف البعيد من أبناء شعبه، خلف البحار، مطمئناً على أحوالهم، ويشرف أفراحنا، ويشيع موتانا، ويفك أسرانا، وينصر المظلوم، ويواسي المكلوم. ويواصل أعماله ويضطلع بمسؤولياته، فيرأس اجتماع مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، ويخاطب مجلس الشورى، ويستقبل وجهاء المجتمع وطلبة العلم وعامة مواطنيه، ويدير شؤون الدولة.. هو هو سلمان، لا يغيره جاه ولا سلطان. ولهذا نعده اليوم نعمة عظيمة، فاللهم لك الحمد والشكر، أن جعلته فينا قائداً، ونسألك يا الله باسمك الأعظم أن تحفظه وتوفقه وتنصره وتعينه، وتوفقنا لخدمته.
وحقاً، لا أملك في الختام، إلا أن أزجي صادق الشكر والتقدير، وأسمى آيات العرفان والامتنان، لهذا القائد الجسور.. سلمان، مشفوعاً بسلامنا كلنا، على لسان الأخ الشاعر اللواء محمد حسن العمري، هذه المرة أيضاً، ابن المؤسسة العسكرية، وأحد جنود سلمان الأشاوس، في رائعته التي تهز الوجدان (مرحى لسلمان)، التي طالعتنا بها جريدة الجزيرة، الثلاثاء 4-4-1436هـ، الموافق 24-3-2015م، العدد 15517، ص 5، فـ:
سلام على سلمان من كل وجداني
سلام على سلمان من قلبي الحاني
سلام على سلمان هذا الذي غدا
جديراً بإنشادي حفيّاً بألحاني
سلام عليه من لساني وخافقي
سلام من الأعماق للقائد الباني
سلام على سلمان رمزاً عرفته
ويعرفه القاصي ويعرفه الداني
وأختم مؤكداً مع اللواء العمري:
وما قلت والله العظيم سوى الذي
يجول بسري يا رفاقي وإعلاني