د.عبدالرحيم محمود جاموس
واحد وخمسون عاماً، قضت ومضت من عُمرِ النضال الوطني الفلسطيني، سطرت خلالها حركة «فتح» أروع ملاحم التاريخ في مواجهة المشروع الصهيوني الكلونيالي الاستيطاني العنصري، الذي لا زال جاثماً على أرض فلسطين وعلى صدر الأمة العربية، ويتدخل في كيمياء صراعاتها الخارجية كما البينية، فمن عملية عيلبون في ليلة الفاتح من يناير 1965م إلى اليوم مروراً بمحطات منيرة وكثيرة في تاريخ حركة «فتح» وقيادتها للنضال الوطني، في مقدمتها كان الكفاح المسلح وحرب العصابات وحرب الشعب الطويلة الأمد وصولاً إلى الانتفاضات الشعبية، المتوالية، والمواجهات السياسية والدبلوماسية في الساحات الإقليمية، والقارية، والدولية، كانت حركة «فتح» هي القائدة والموجهة والمنتزعة للانتصار تلوَّ الانتصار، قدمت فيها خيرة قياداتها وعناصرها شهداء، وجرحى، وأسرى، ولم تتوان لحظة واحدة عن التضحية من أجل تحقيق الانتصار على المشروع الصهيوني، واستعادة الهوية الوطنية الفلسطينية التي جرى تغييبها، كما يجر التآمر عليها، لما تمثله من نقيض إستراتيجي للمشروع الصهيوني الذي التهم فلسطين الأرض، وشرد شعبها، وصادر هويته، وهوية وطنه.
إنها مسيرة نضالية حافلة، طويلة، وشاقة، ولكن ما تم إنجازه فيها على طريق تحرير الأرض والإنسان، وإستعادة الكرامة والهوية الفلسطينية، والتأسيس لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، يخفف من ألم هذا الفقد وهذه التضحيات الجسام.
واحد وخمسون عاماً من الثورة، من إنطلاقة حركة «فتح»، وما زال الحلم معافىً والصراع مستمراً مع المشروع الصهيوني، ولن يتوقف، حتى تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها حركة «فتح»، بدءاً من استعادة الهوية، وصولاً إلى إنجاز حق العودة، والحرية والاستقلال، وقيام دولة فلسطين الديمقراطية وعاصمتها القدس، هذا لا يتحقق إلا بهزيمة المشروع الصهيوني الكلونيالي الاستيطاني العنصري، المنافي لجميع قيم العدل والأمن، والسلام والمساواة.
فالمهمة الملقاة على عاتق الحركة الوطنية الفلسطينية وطليعتها (حركة فتح) لا زالت قائمة وتستدعي التوقف مع الذات، وإجراء تقويم للمرحلة، يعيد لهذه الحركة الرائدة دورها وفاعليتها، بما تقتضيه أهدافها الوطنية، وبما توجبه المرحلة التي وصل إليها الصراع، على ضوء التغييرات الجارية في الإقليم وفي العالم.
إن كفاح شعبنا الفلسطيني المستمر وصموده في أرضه وتوحده حول ممثله الشرعي والوحيد، قد أفشل مخططات المشروع الصهيوني، في تبديد الهوية الوطنية الفلسطينية، وفي ابتلاع كامل الوطن الفلسطيني، وما العزلة الدولية التي يعيشها الكيان الصهيوني اليوم، والتأييد الدولي المتنامي لنضال شعبنا وحقوقه الوطنية إلا ثمرة لهذا الكفاح والصمود الذي يسطره الشعب الفلسطيني يومياً مؤكداً تمسكه بحقوقه الوطنية المشروعة في وطنه.
من هنا على جميع مناضلي حركة «فتح» وقياداتها في ذكرى الإنطلاقة الواحدة والخمسين أن يدركوا أن المهمة لا زالت قائمة وصعبة ولكنها ليست مستحيلة، وإنما تقتضي مزيداً من الوحدة الحركية، والوحدة الوطنية وتصليب المواقف الوطنية حول حقوق شعبنا الثابتة وغير القابلة للتصرف في وطنه فلسطين، وأن يرتقي الجميع في أدائه إلى المستوى الذي يفرضه التحدي والصراع، مع العدو الصهيوني، والارتقاء إلى مستوى التضحيات التي قدمتها حركة «فتح» ويقدمها شعبنا الفلسطيني يومياً من أجل إنجاز أهدافه الوطنية، إن دماء الشهداء وعذابات الجرحى والأسرى هي أمانة في أعناق كافة المناضلين على كل المستويات والمراتب التنظيمية والقيادات المختلفة، فعلى الجميع التحلي بالمسؤولية والشفافية، ونبذ الصراعات والانشقاقات الداخلية التي لا يستفيد منها سوى العدو.
فمعاً وسوياً من أجل القدس، ومن أجل فلسطين ووحدة شعبنا الفلسطيني، وأمن أمتنا العربية، حتى يتحقق الانتصار لشعبنا ولأمتنا، يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون.