د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
كان برنامج التحوّل الوطني أحد رآياتنا الفاخرة، ومنصاتنا القادمة بشموخ وإصرار، حين أعلن عنه وَقاد مراكبه الأمير محمد بن سلمان، وكأني بذلك الإعلان يختزل أمنيات وطموحات الأجيال الحاضرة والقادمة، حيث صنع حفظه الله في ذلك البرنامج إرادة ذاتية في كل قطاعات العمل ودوائره بانت لنا ونحن الشعب الشغوف بوطنه؛ الحفيّ بكل انطلاقاته، من خلال ما نشر عن ذلك البرنامج الطموح ومضامينه.
لقد حوى برنامج التحوّل الوطني حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية تُضخ في شرايين القطاعات الخدمية المباشرة وغير المباشرة،كما كان من أهدافه مضاعفة فرص النمو الاقتصادي في منصات جديدة في القطاعين الحكومي والخاص، ومن خلال ما نشر عن ذلك البرنامج الاستثنائي جوهراً وقالباً كأني أرى صورهُ التنموية بعضها آخذ برقاب بعض من خلال عمليات تفعيل واقعي لإستراتيجية تستند في بنائها على حال الوطن، وما يكتنزه من مقدرات مادية وبشرية، تحيطها الرؤية الواضحة، ويحزمها الالتزام، واستيعاب كافة التفاصيل المحيطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما كانت المرتكزات التي حُدّدت لتفعيل ذلك التحوّل هي الكواشف الخاصة لكل مشروع في كل وزارة، ومؤشرات الأداء التي سوف يُتكأ عليها لقياس مدى تحقق برامج العمل المستقبلية؛ ومنها أيضاً تعديل التعاملات بما يضمن تحقيق المصالح العامة في منصات التطوير الثلاثة المستهدفة في برنامج التحول الوطني؛ وهي القطاع الحكومي والخاص والمجتمع؛ وبما يحقق الهدف الرئيس وهو رفع كفاءة مؤسسات الدولة الحكومية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، ورفع سقف التبادل التنموي فيها مع القطاع الحكومي، والاتجاه للتخصيص كرافد من روافد النمو المجتمعي القائم الذي يملك إمكانات الاستيعاب لشريحة كبيرة من المعدين للعمل وذلك لتحقيق التوازن في المكاسب الاجتماعية الذي يؤدي بدوره إلى إيجاد مساحات من الاستقرار ومستويات من الإنتاجية لشريحة كبرى من المواطنين جلّهم من الطبقة الوسطى.
وربما فاتني الكثير من الحديث حول ذلك البرنامج الوطني ذي البريق الذي بدأ يظهر قبل اكتمال المحار، حيث نال «التحوّل الوطني» ذو المفهوم الأنيق جملة من الرؤى والتفاسير إعلامياً، وتوقعات باذخة لنتائجه.. ابتداء من خلال مكون النقد البناء الداعم لكل المنطلقات المعدة لتنفيذ برنامج التحوّل؛ فإنني أدلو بدلو صغير وإن كان التحوّل «بحر لا تكدره الدلاء» بإذن الله وأوجز فيما يلي:
بما أن التحول الحقيقي يعتمد على وجود واقع معرفي يصنع التحولات فإن جودة التعليم منطلق أساس فلابد من صناعة التعليم العالي الذي تصبح الجامعات فيه بيوت خبرة محلية لكل برامج التعليم العام صناعة وتخطيطاً، وأن تكون الجامعات محاضن حقيقية لكل المبادرات الداعمة لعناصر تفعيل العمل التربوي والتعليمي في مؤسسات التعليم العام، وذلك لتأصيل العمل المؤسسي الممنهج علمياً عندما ينشأ في بيئات البحث العلمي؛ وذاك ما سوف يجعل البرامج والمبادرات تنشأ قوية صلبة تقاوم رياح تغيير القادة، وغياب أو تواري بعض المخططين أو المنفذين لتلك البرامج أو عدم جدوى تلك البرامج «ونعود من سلمى بغير متاع» كما أن احتضان البرامج وصناعتها بمشاركة قنوات البحث في الجامعات يجعل تلك المشاريع تقبل التطوير، وتستقبل الفكر الجديد في مجالاتها المختلفة، وتتكون بذلك الخبرات المعرفية، ومن ثم التراكمية؛ مما يعني أن لا تنفصل خطط برامج البحث العلمي في الجامعات عن برامج التعليم العام مطلقاً؛ فالذهاب إلى مستقبل جميل في التعليم بقطاعيه العام والعالي يجب أن يتم وفق خطة موحّدة تنطلق بكامل حمولتها للرحلة الطويلة؛ والعقول الأكاديمية الوطنية زاخرة ملأى تنتظر شارة البدء «والقلب أعلم يا عذول بدائه».
ومن هنا تأتي أهمية القدرة والكفاءة في تحديد المسؤوليات؛ والمرتكزات هاهنا تكمن في معايير الاستقطاب التي تبنيها المؤسسات، وتدفع بها لجهات التوظيف، أو تحتكم إليها المؤسسات في شأن الاستقطاب الداخلي.. مع ملاحظة أن أنظمة التعيين تحمي ثغرات المعايير المُستند عليها؛ والواقع اليوم يثبت أن معايير الاستقطاب، وتخصيص المهن؛ وقياس الجدارات، إن جاز لنا أن نسميها معايير فُقدت عندما كثُر صانعوها في أكثر من قطاع في الدولة»، فليت أن الفكر التنظيمي الجديد الذي حمله برنامج التحوّل الوطني بقيادة ولي ولي العهد يعيد النظر في واقع الاستقطاب, ويوحّد منصاته، ويفحص أدوات الصناعة في كافة صورها في مشروع وطني تحت مظلة برنامج التحول الوطني؛ وأن تقرّ مخرجات المشروع كسياسة عامة للدولة لها لوائحها وموادها التنظيمية، وكفاءة الاستقطاب توفر الذراع الكفوء المُخطِط والناقل والمنفذ لكل برامج التحول الوطني في مسارات قويمة، تربط ذهنية الأفراد العاملين بمنهجيات التعامل وإدارة الأعمال السليمة المبنية على مكونات شخصية، وأخرى مكتسبة، حيث لا يكفي الاعتماد على المعرفة التي اختزنها عقل الفرد خلال دراسة التخصص.
وبما أن مسارات التحول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتحديد المستهدف الرئيس، والمستهدف المساند، فإن قنوات السير للوصول للمستفيد تحكمها هياكل تنظيمية داعمة لتكون مهام القطاع حاضرة في تلك القنوات الهيكلية، ولكن عند وجود فجوات رغوية في الهياكل التنظيمية فإن ذلك يؤدي إلى هشاشة البناء، وانحراف مسار العمل، وحتما العودة سوف تكون باهظة الثمن؛ ومن الممكن تلافي صعوبات البناء النظري إذا ما تحددت متطلبات المستهدفين بدقة في ذلك القطاع؛ ولهذا فإنه في رأيي المتواضع لابد أن يضم برنامج التحوّل الوطني مساراً لمراجعة وتصحيح واقع الهياكل التنظيمية القائمة، كما أرى أن القطاعات الخدمية ذات المستهدف الواحد لابد أن توجد فيها قنوات مشتركة في هياكلها التنظيمية يتم من خلالها إطلاق برامج وطنية مشتركة لا يمكن أن تبث من قناة دون أخرى.
وفي مسارات التحوّل الوطني التي تبشر بإشراقات وطنية نباهي بها الأمم ننتظر أيضاً تحقيق النزاهة؛ والاحتفال الأسمى بخلو وطننا من وباء الفساد الذي يفتك بالتنمية والنهضة والحضارة، ويزرع الاتكالية، ويقتل الطموحات، والمبادرات الحية، ويغيّب النموذج القدوة، وتصطف العلامات المقلدة، وفي منظوري أن التحول نحو النزاهة نقطة مسار أخرى سعت لها قيادتنا الرشيدة، في أبسط عناوينها؛ وهي الالتزام بعدم المجاوزة، وعدم قبول مجاوزة الآخر.
وختاماً فإن برنامج التحوّل الوطني الذي قاد منطلقاته بشفافية وكفاءة واقتدار سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سوف يتجلى في وديان خضراء تحيطها قمم شاهقة ترنو إلى وطن فوق هام السحب.
بوح أخير إلى قائد التحوّل الوطني الأمير محمد بن سلمان: «ما صافح الوهن فكراً أنتَ جذوته».