د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورسوخ مبادئه، يرشحانه للاحتفاء المتوالي بمنجزاته، ويتحقق ذلك حينما تُطرح المنجزات على منصاته، وعادة ما يكون ذلك في حضور نتلمس فيه نبضات تدفقت على مدى تاريخ المجلس (1981 إلى 2015) ولقد أحاطتني تلك الرؤية عندما تلقيتُ دعوة كريمة من حرم معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية السيدة فتحية الزيّاني لحضور الملتقى النسائي التعريفي بمجلس التعاون لدول الخليج العربية،
وتلك الدعوة في حقيقتها احتفاء بالمواطنات في دول المجلس لاستبصار ملامح وتفاصيل جسور التعاون الممتدة؛ والاستماع إلى صوت مجلس التعاون، واستجلاء حضوره في واقع المواطن الخليجي؛ وجاء موعدنا في الثلاثاء الماطر.
قد كان يوما له الأمطار عاشقة
يزدان ودّا وديم السحب ترويه
حيث التعاون بلداني به اتحدت
وسم الخليج لها رقت حواشيه
ويخال من يدلف مقر الأمانة العامة للمجلس أن التاريخ قد ولد هناك، واستقر في ديوان معتق ليروي حكاية التعاون، ويقدم لنا شخوصها في محضن لا أبهى ولا أجمل منه.
أما الجغرافيا، فلا مكان هناك لقوالبها التي تصب فيها الكيانات تحت مسمى الحدود، وتتربع في كل أصقاع الدنيا عدا هذا المكان “فمصيرنا واحد ودربنا واحد الله أكبر يا خليج ضمنا”.
وإن كانت للمكان جاذبية فلم تكن في ذلك المساء معلقة بين السماء والأرض، إنما حطت رحالها لتستريح وتشتم عبق الأرض الواحدة التي ينضح بها المكان، فقد حدثت طاقةُ ايجابية أحسبها لا تنضبُ بتوفيق من الله، وبدت منسوبات المكان في فورة شباب نشط تنداح من مدارج العقل، وتنطلق من مواقع المسئولية، وبدت ضيفات المكان في أتم استعدادهن للقاء دول المجلس، واستكشاف المنجز ودلائله المتضافرة، وشواهده الظاهرة.
وكان في المكان طمأنينة التجانس التي مكّنت دول المجلس من تبني مواقف موحدة تجاه القضايا المحيطة؛ عنوانها حسن الجوار، واحترام السيادة، وتمثل الحوارات السلمية، وذاك جزء مما ساقته المتحدثات في برنامج الملتقى التعريفي عن منجزات مجلس التعاون، التي حفّزتها حزم ضوئية تخللت الغيم في ذلك المساء، وتوالى الحديث عن المجلس وارتقت الكلمات والعروض الى أعالي مواضع الارتباط لذلك الكيان الدولي الفاعل، وشهدت الحاضرات الأهداف التي تبرعمت قصصا تهتز وتندفع حتى تستجيب لنداء الحياة المستقرة الآمنة لشعوب دول المجلس، وكان في حديث راعية الملتقى صاحبة السمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود حرم أمير منطقة الرياض، تأكيد على أن مرتكزات العمل المشترك في مجلس التعاون والأهداف الرامية لتحقيقها هي ما تجعل شعوب تلك الدول فخورة بالمنجز الذي صنعه وحفّزه قادة دول المجلس، كما كانت مضامين كلمة حرم معالي الأمين العام لمجلس التعاون حُزم من العزائم التي انطلقت منها مسيرة المجلس نحو تحقيق أهدافه الاستراتيجية في الأمن والاقتصاد والتنمية البشرية وتعزيز مكانة المجلس في المجتمع الدولي، وكان أمام الحاضرات طروحات موفقة جعلتنا لا نغادر معادلة أهداف المجلس السامية التي أحاطتها حمى أوضاع العالم فخرجت منها سليمة معافاة بفضل من الله ثم بعزيمة قادتها والفكر الاستراتيجي الأخاذ، فكان الحديث عن دور المرأة الخليجية في عالم اليوم، ودورها في دعم تنفيذ الأهداف المشتركة المنصبة على التنمية في دول المجلس، ولقد حرصت القائمات على اللقاء التعريفي على تمكين ضيفات اللقاء من استحصال الدلالات الإحصائية وربطها بالمؤشرات من خلال عروض دقيقة وواضحة تأسيسا للمعلومات التي يهدف الملتقى لاطلاع الحاضرات عليها، فكانت مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة عنوانا واضحا على الاندماج الحقيقي بين التخطيط لشراكات ضخمة وانسيابية التنفيذ، وكان الحديث عن التخطيط الاستراتيجي في الأمانة العامة للمجلس من إشراقات الملتقى طرحا وإبانة من قبل إحدى الموظفات لما صاحبه من وقفات عند منهجية العمل في الأمانة العامة؛ واستقطاب الموظفات.
كما كان هناك لمسة وفاء ولدت وترجمت للحاضرات المشاهد التي أحاطت بذلك البهو الأشم الذي غُزل فيه وشاح العزة الذي يرتديه مجلس التعاون منذ بزوغ شمسه ؛تلك اللمسة هي تكريم ثلة من موظفات الأمانة العامة.
وختاما فإن ما يجب تسطيره في تقديري؛ هو أن يكون تشكيل صور الانجاز لذلك الكيان الشامخ مستمرا خلال العام دون توقف من خلال إقامة معرض دائم بفعاليات متنوعة ترصد فيه تباعا الصور المشرقة عن حراك المجلس سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، وأن يُحاط ذلك المعرض بهالة من الانسجام والتواصل مع جميع الدول التي تقع تحت مظلة المجلس بحيث ينتقل لجميع العواصم في تلك الدول؛ وأحسب أن المعارض تتمتع بأرصدة واسعة من الحضور والمشاهدة.
بوح؛ يقول المتنبي:
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دُعُوا
كثير إذا اشتدوا قليل إذا عُدّوا