د. جاسر الحربش
كمدخل، لا أقبل من أحد التشكيك في كون الصهاينة هم سادة القتل في السر والعلن، ولكن العالم بلع كامل لسانه خوفا من سطوتهم الإعلامية. لا أقول اليهود بصيغة التعميم على كل يهود توراتي، بالرغم من أن أغلبهم يبقى صامتا صمت الرضى عن ممارسات القتل في مشروعهم العنصري، ماعدا قلة عديمة التأثير.
في يوم السبت الثالث والعشرين من ربيع الأول 1437هـ الموافق للثاني من يناير 2016م تم تنفيذ أحكام القصاص قتلا على سبعة وأربعين إرهابيا في المملكة العربية السعودية. الذين تم تطبيق حد القصاص فيهم ثبت عليهم بالوقائع المصورة وبالاعترافات المصدقة أنهم كفروا المجتمع وقتلوا الأبرياء وخرجوا على السلطات كلها وفجروا المباني والمنشآت وروعوا الآمنين في أماكن الاعتداءات وفي الشوارع والمساكن وأماكن العمل. قبل أن تنفذ فيهم الأحكام مروا بجلسات تحقيق ومحاكمات وأعطوا حقوق الاستئناف واستعراض الشهود كما تتطلبه المحاكمات العادلة. الأحكام لم تنفذ إلا بعد التحقق والاعتراف بما ارتكبوه واستحقوا الأحكام الصادرة بالمقابل.
أكتب هذا المقال متنقلا بين الفضائيات العربية والأجنبية لأتابع ردود الفعل في الإعلام الغربي والروسي والإيراني وفي الإعلام العربي الإسلامي وغير الإسلامي. كالمتوقع بدأ الطعن والتحريض فورا في قناة سي إن إن الصهيونية أولا، ثم في القنوات البريطانية والإيرانية وتوابعها وفي قناة روسيا اليوم. التحريض والطعن لم ولن يقتصر على السعودية بل سيشمل العرب والمسلمين بطرق التعميم المعتادة. إنها المحاولات الفرزية المستمرة لعزل السعودية والعرب والمسلمين عن بقية العالم وتصويرهم كمجتمعات توحش تقتل بلا رحمة. الاهداف من هذا الفرز واضحة، تدمير الدول والمجتمعات والتعايش في العالم العربي والإسلامي هو الهدف. إنه تبرير لما يجري منذ سنوات من تدمير أجنبي لهذه الدول والمجتمعات ولما هو قادم ومتوقع من تدمير أكثر عنفا وشمولا باتجاه التمزيق الشامل والنهائي.
أعرف أن هذا المؤسسات الإعلامية الغربية والصهيونية والإيرانية والروسية تخدم بالإضافة إلى التجارة والإعلام أهدافا سياسية متضمنة في اهتماماتها وخططها. هي تعرف الوقائع الحقيقية للجرائم المرتكبة من قبل دولها ضد العرب والمسلمين، تعرفها بالتواريخ والأعداد والأسماء، لكنها لا تريد ولا تقبل العرض المقارن على شاشاتها وفي مقابلاتها وندواتها المختارة بتوجيه ودقة الأجهزة الاستخباراتية، لمقارنة ما يجري فعلا من جرائم على أرض الواقع والتنفيذ مع ما يجري من استجابات أمنية ضرورية لدفاع الدول والشعوب عن مكوناتها وشعوبها ومستقبلها. يريدون لنا أن نستمر في ميدان المفعول به والمقتول والمشرد ويستكثرون علينا المقاومة والرد بما نستطيع وبالطريقة التي نتحقق من عدالتها وصلاحيتها ونجاعتها.
رغم التيقن من كون الإعلام الغربي والصهيوني والإيراني والروسي لا يقبل المقارنات، إلا أنه لابد من ذلك، لعله يفيد قارئا يجد نفسه غير مستعد في موقف مهاترة وانتقاص أمام محاور من الأطراف المعادية. خلال الشهرين الأخيرين فقط أعدم اليهود الصهاينة أكثر من 80 طفلا وفتاة وشابا في المتاجر والشوارع، إما لأن الواحد منهم رمى حجرا باتجاه جندي أو مستوطن يهودي، أو أنه خيل لهذا الجندي أو المستوطن أن ذلك الفلسطيني القتيل يخطط لدهسه بالسيارة. خلال ثلاثة أشهر فقط قتل الطيران الروسي في سوريا المئات وربما الآلاف من الأطفال والنساء والرجال بهدم بيوتهم على رؤوسهم من السماء، لإبقاء طاغية عميل في السلطة. في دولة ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية يشنق يوميا معارضون لاحتجاجهم بالكلام فقط، يشنقون على رافعات البناء وفي باحات السجون. الحرس الثوري الإيراني يمارس بشكل يومي القتل على الهوية في العراق وسوريا والأحواز. في الولايات المتحدة الأمريكية صار قتل الفتيان والفتيات السود في الشوارع والمتاجر برصاص الشرطة البيض من الأخبار اليومية، وفي كل مرة تتم تبرئة القاتل الأبيض بعد محاكمة صورية، ثم يخرج ليحتفل مع أصحابه في الحانة.
في كل تلك الأحوال يتم القتل في الميدان المدني المفتوح لأبرياء وبالمفاجأة والغدر ودون محاكمة ولا تحقق من نوايا الضحايا ولا من أحوالهم النفسية والعقلية. رغم ذلك تصمت كلاب الإعلام الغربي والصهيوني والإيراني والروسي ، أو تورد الأحداث كأخبار عاجلة دون تعليق. الكلاب الإعلامية ترفع درجات النباح فقط في وجوه العرب والمسلمين، لإرهابهم وشل محاولاتهم للدفاع عن النفس، حتى وإن كانت بطرق قانونية مؤطرة بالتحقيقات والمحاكمات والاعترافات المصدقة.
وكالمتوقع في كل مرة وهذه المرة بعد تنفيذ الأحكام على الإرهابيين السبعة والأربعين سوف يعلو النباح الإعلامي ضدنا كثيرا، ولكن القافلة كما يبدو بدأت لتوها تسير بالطريق الصحيح، والكلاب سوف تنبح حتى الإعياء ونحن إما أن نكسب المعركة أو نخسرها بشرف.