هاني سالم مسهور
نبدأ بتساؤل عن لماذا لا يقوم تنظيم القاعدة أو «داعش» بعمليات ضد المصالح الإيرانية أو حتى عمليات في العمق الإيراني؟؟ نجد الإجابة عند الوثائق التي وجدها الأمريكيين بعد مقتل أسامة بن لادن في مدينة أبوت أباد الباكستانية 2011م التي كشفت أن التنظيم كان يجد حرية واسعة في الحركة داخل الجمهورية الإيرانية.
وعلى الرغم من أن أسئلة مثارة على مختلف الأصعدة منذ هزيمة تنظيم القاعدة في 2002م عندما شنت الولايات الأمريكية هجوماً عسكرياً أعقب هجمات 11 سبتمبر 2001م حيث إن النظام الإيراني فتح أبوابه أمام قادة تنظيم القاعدة الذي استضاف سيف العدل -المسؤول العسكري للقاعدة-، وسليمان أوغيث وعدد من قيادات التنظيم الأخرى.
سعت إيران للاحتفاظ بورقة (تنظيم القاعدة) لاستخدامها في وقت الحاجة وقد تكفلت صفقات أخرى بإثبات هذه الفرضية، غير أن الجزء الأهم الذي يثبت التورط الإيراني ما حدث في العام 2014م عندما بثت مواقع محسوبة على «داعش» رسالة صوتية للمكنى أبو محمد العدناني بعنوان (عذراً أمير القاعدة) هاجم في الرسالة العدناني زعيم القاعدة أيمن الظواهري وحملت اتهامات صريحة تحت فقرة تعنونت (للقاعدة دَين في عنق إيران) أقر فيها العدناني بشكل صريح أن «داعش» لم تضرب في إيران تلبية لطلب «القاعدة» للحفاظ على مصالح التنظيم في إيران.
جاء في نص التسجيل الصوتي (ظلت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه ولذلك لم تضرب الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غيظاً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء)، هذه الرسالة الصوتية تكشف طبيعة الصراعات عند الأطراف المتطرفة ومدى علاقة النظام الإيراني بالإرهاب العالمي، ولماذا وجد العشرات من كبار قيادات القاعدة في إيران ملجأ لهم بإشراف من (الحرس الثوري).
التورط الإيراني يمكن أيضاً إيجاد الدلائل عليه في سوريا مثلاً، فعلى الرغم من كل المواجهات الحادة التي تم تسجيلها على مدى ما يقارب من الخمسة أعوام منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011م فإن الملاحظ بأن تنظيم «داعش» لم يقم بضرب المصالح الإيرانية المباشرة في سوريا، وكذلك الوضع أيضاً في العراق، تنظيم «داعش» نجح في نقل عملياته إلى القارة الأوروبية في باريس منتصف نوفمبر 2015م ولم يحاول أن يضرب الداخل الإيراني برغم أن المسافة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات بين الحدود الإيرانية والموصل العراقية وهي المسافة الأقصر بين الطرفين.
من المؤكد أن تحولاً كبيراً حدث في الشرق الأوسط مع قرار المملكة العربية السعودية بدأ عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015م مما وضع الإيرانيين في موقف مضطرب فلم يكن في حساباتهم أن تقوم المملكة بخطوة كهذه والتي شكلت في مضمونها الاستراتيجي نقطة تحول ومنعطف مهم استعادت به الرياض زمام المبادرة في منطقة الصراع التي عربدت فيه إيران طويلاً من خلال التحالف مع المتطرفين الإسلاميين في العراق وسوريا واليمن وغيرها من البلدان.
الدور الاستخباراتي الذي تلعبه الأجهزة الإيرانية لتغذية العناصر المتشددة وتمويلها يمكن كشفه كاملاً من خلال العلاقة مع الحوثيين في اليمن الذين ثبت تورطها معهم قبل عقد من الزمن عندما تم الكشف عن سفينة (جيهان 1) والتي كانت تحمل أسلحة إيرانية لجماعة متطرفة خارجة عن النظام والدولة وخاضت معها ست حروب سابقة قبل أن تعلن انقلابها على الدستور ومخرجات الحوار الوطني في 2014م.
أخيراً لا يمكن تجاهل الصدمة التي وقعت فيها دوائر القرار في إيران بعد إعلان الرياض عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب مما يضع طهران في موقف من الصعوبة بمكان التخلص من عواقبه، فالورطة الإيرانية مع تمويل ومساندة هذه الجماعات الإرهابية يضعها في مواجهة التحالف الإسلامي الذي دخلت في إطاره أكثر من أربع وثلاثين دولة تحت قيادة الرياض.