هاني سالم مسهور
كان متوقعاً فشل المباحثات اليمنية في بييال السويسرية فمازال الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح يذهبون بعيداً جداً باليمن حيث اختطفوه عنوةً في 21 سبتمبر 2014م ومازالوا يراهنون على قدرتهم تجاوز وقائع كاملة وحقائق دامغة تقول إن المجتمع الدولي يرفض سلوكهم ومنهجهم وأن حرباً اندلعت أهدافها هي استعادة الدولة اليمنية وبسط نغوذها على كامل التراب اليمني، هذه الوقائع والحقائق لا تجد عند الانقلابيين موقعاً في عقولهم التي ما تزال تفتقد لشيء وإن كان ضئيلاً من العقل.
نعود إلى سبتمبر 2015م حيث أعلنت الرئاسة اليمنية عن تلقيها خطاباً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أكد فيه عن تلقيه خطابين يفيدان بأن طرفي الانقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع صالح قد بعثا بخطابات مكتوبة للأمم المتحدة يعلنان فيهما قبول الطرفين بتنفيذ القرار الدولي 2216 وعلى ضوء ذلك احتاج المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى شهرين متواصلين للتفاهم على مسودة مشاورات (جنيف 2) بعد جولات شملت الرياض ومسقط.
بين (جنيف 1) و(جنيف 2) تغيرات على الأرض ولكن هناك حقيقة أخرى تقف بين الطرفين (الشرعية اليمنية) و(الانقلابيين) وهي الإرادة السياسية أو الرغبة في تحقيق السلام، ومن باب الإنصاف فإن الحكومة الشرعية قامت بما يلزم تجاه مسؤوليتها الوطنية بحيث إنها وافقت على الجلوس مباشرة مع طرف متمرد على الدولة ومؤسساتها ودوستورها الوطني، ومع ذلك يبقى من المهم جداً أن القراءة في الطرف الآخر الذي وافق على تنفيذ القرار الدولي واحتاج فترة طويلة لإرسال وفده إلى مقر المباحثات وهم الحوثيين بشكل أكبر.
الجماعة الحوثية راهنت منذ مارس 2013م على إستراتيجية ليست مبتكرة بل هي صناعة إيرانية بامتياز، فالتكتيك التفاوضي الذي ينتهجه الحوثيون هو ذات التكتيك الإيراني الذي خاضت فيه إيران مفاوضاتها الطويلة مع مجموعة الخمسة زائد واحد بشأن برنامجها النووي، وهي ما تحاول هذه الجماعة عمله بشكل يعتمد على النفس الطويل في المفاوضات والفرض على أرض الواقع الميداني.
نلاحظ أن الجماعة الحوثية دخلت إلى مؤتمر الحوار الوطني وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية عبر ذراعها السياسي (أنصار الله) وعملت منذ انطلاق مؤتمر الحوار على اقتحام المدن بداية من صعدة ثم دماج وعمران حتى إسقاط صنعاء، كل هذا كان يجري ومازال الذراع السياسي طرفاً من أطراف الحوار فلم يتخلَ الحوثيون عن مقاعدهم إطلاقاً حتى وهم يفقدون بعض عناصرهم التي تم اغتيالها.
هذه الإستراتيجية حققت لهم ما أطلق عليه (اتفاق السلم والشراكة) وهذا الاتفاق كان يريده الحوثيون بدلاً من مخرجات الحوار الوطني وحتى المبادرة الخليجية، هذا الشكل والإطار الذي يعتمده الحوثيون يحاولون جاهدين الحصول عليه عبر الدخول في مباحثات جنيف 2 التي لم تنجح في إطلاق المعتقلين وعلى رأسهم وزير الدفاع محمود الصبيحي فكيف يمكن أن يتم تنفيذ بقية بنود القرار الدولي من تسليم السلاح المتوسط والثقيل والانسحاب من المدن..!.
لا يمكننا تجاوز أن الجماعة الحوثية حققت مكسباً سياسياً بجلوسها كطرف أمام الحكومة الشرعية، وهي التي ستحرص على إنهاكه من خلال المماطلة وافتعال الأزمات لغاية هدفها تدويل الأزمة اليمنية ووضعها في مسار متشابك يشابه المسار السوري أو العراقي أو اللبناني، لذلك مازال الحوثيون يحاولون بث دعايتهم بأنهم في معركة ضد الإرهابيين ويحاولون كثيراً استقطاب عواصم دولية مختلفة.
هذه الإستراتيجية الحوثية ترغب في واقعها للحصول على الاعتراف الدولي بها كيان سياسي له كامل الحقوق السيادية في اليمن مما يبدل الوقائع بينها وبين الحكومة الشرعية، تماماً كما فعل الإيرانيين في خضم المفاوضات الدولية حول برنامجهم النووي ونجاحهم في التفاوض الثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى نجحوا في توقيع الاتفاق، وهذا هو ما تسعى إليه الجماعة الحوثية تماماً عبر خوضها كل هذا الإطار التفاوضي غير المُجدي أبداً لكل الأطراف المتفاوضة سوى هذا الطرف الذي لن يتوقف إلا بفعل من الأمم المتحدة التي عليها أن تنفذ قراراتها الصادرة تحت الفصل السابع لتنهي فصلاً تاريخياً وضع اليمن في كارثة إنسانية لا يمكن التنبؤ بمقدار الحاجة الزمنية لمعالجة آثارها.