د. محمد البشر
إيران الثورة، لم تعد دولة، وإنما أصبحت مركزاً لتصدير الثورة، وهذه مشكلة إستراتيجية ستضر بها أولاً، وسيلحق أذاها بمن حولها من الدول، وحتى دول العالم أجمع، ولا أخال أن إيران ستكون قادرة على التعايش مع الدول الأخرى، طالما أن هذه هي الإستراتيجية الأولى في سياستها الخارجية.
إيران طبقاً لهذه الإستراتيجية، لم تهنأ بالاستقرار منذ قيام ثورتها، فقد دخلت في حرب مع العراق تجرع زعيمها المر بعد أن أجبرته نتائج الحرب على الركون إلى إيقافها، وكانت خسائرها كبيرة جداً في الرجال والمال والسمعة وغيرها، وظلت كذلك، وفيما يبدو أنها ستظل، وفي أثناء تلك الحقبة، كان حرق السفارة الأمريكية، مجرد إثارة زوبعة لم يجن الشعب الإيراني منها خيراً.
بعد تلك الحقبة المؤلمة على الشعب الإيراني مرت إيران بفترات غير مستقرة، وكلما حاول أحد مسؤوليها أن يسير خطوة قصيرة إلى الأمام، منعت ذلك التقدم القوى الممسكة بزمام الأمور، والوصية على إستراتيجية الثورة وذلك التقدم، لتعيده مرة أخرى إلى الوراء، وحتى في خضم هذا التنازع غير المتكافئ يكون الشعب الإيراني ضحية لذلك.
إيران اعتدت على السفارة السعودية قبل هذه المرة، وهذا أمر اعتادت عليه، مع كل أسف لتقنع شعبها أنها وصية على إستراتيجيتها الثورية التي استطاعت بالقوة وبالإعلام ومراكزها الدينية إقناع البعض أن ذلك أمر إلهي قد من الله به عليهم، وهذا من غرائب هذا الزمان وعجائبه.
إيران بدأت برنامجاً ذرياً انتبه العالم لخطورته متأخراً، وراوغت وجاهدت وحاولت أن تطيل الأمد لتحصل على ورقة تقاضيه أقوى، أو تنتج سلاحاً أثناء المراوغة، لكنها عجزت عن ذلك، وعادت كالعرجون القديم، بعد أن خسرت مليارات الدولارات نتيجة الحصار الأممي، ومع ذلك فلا يمكن الركون إليها، وإلى ما توقعه من اتفاقيات، ولاسيما أن الاتفاق قد سمح بمواصلة برنامجه البحثي في هذا المجال بطريقة ما.
إيران عمقت جذورها في العراق، زمن حكم المالكي، ومازالت، وانتقلت إلى سوريا، ودفعت بكل قواها هناك مع ربيبها حزب نصر الله اللبناني، لعلها تبقي على موضع قدمها، ليكتمل الهلال المعروف، لكن دول كثيرة، وعلى رأسها المملكة حالت دون بلوغها مرامها، وما زالت المملكة ومعها الدول المحبة للخير صامدة ضد التيار الغريب.
إيران حلت في اليمن، وكونت لها أتباعا، واستغلت ظروفا سياسية غير ثابتة، واجتاح أتباعها اليمن شماله وجنوبه، لكن المملكة أيضاً اتخذت قراراً بالتدخل العسكري، وحرمانها من الوصول إلى هدفها، وساعدها في ذلك تحالف واسع من الدول العربية، ومناصرة من الدول الإسلامية ودول أخرى كثيرة، وذلك لإعادة الشرعية المسلوبة، وإسعاد الشعب اليمني، وبفضل من الله تحقق الكثير، ولم يبق سوى القليل، وكانت قرارات مجلس الأمن واضحة في هذا الموضوع، إلاّ أن الحوثيين وأعوانهم لم يمتثلوا، وذلك بتوجيه من إيران.
وأخيراً إيران أرعدت، وسخرت وسائل إعلامها، عند تنفيذ القصاص في مواطن سعودي، ارتكب جرماً فقدم للعدالة طبقاً للشريعة الإسلامية، واستنفدت جميع إجراءات التقاضي المعتادة، كما هي على غيره، سواء هذه المجموعة، أو ما سبقها من مجموعات ارتكبت جرماً نالت الجزاء العادل طبقاً للشريعة الإسلامية.
إيران من أعطاها الحق للتدخل في القضاء السعودي، ومن جعلها وصية على مواطني الدول الأخرى، فهل سنرى إيران تتدخل عند تنفيذ حكم قضائي في بلد مجاور لها على فئة لا تروق لها؟
إيران هاجمت السفارة السعودية في المرة الأخيرة، ونهبت ما فيها، وادعت أن ما قام به مجموعة غاضبة، والجميع يعلم أنه لا أحد في إيران يمكن أن يخطو خطوة واحدة في مظاهرة أو احتجاج، دون موافقة الحكومة، وتنظيمها لها، ويكون معظم أعضائها من الحرس الثوري، وأجهزة الأمن الأخرى، وهذا ما تم عند اقتحام سفارة المملكة في طهران، والقنصلية في مشهد بطريقة احترافية، لا يحسنها إلاّ متدربون تدريباً جيداً.
إيران خارج عالم التحضر، وعليها إن أرادت أن تكون عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي الإقلاع عن تصدير ثورتها، وصرف أذاها عن جيرانها وغيرهم.