د. حمزة السالم
انفجار فقاعة أسعار العقار في اليابان، أدخل اليابان في انحسار اقتصادي وانكماش للأسعار لعقود عجزت اليابان ان تجد لانكماش الأسعار حلا. وانهيار أسعار العقار، سحب الاقتصاد الأمريكي معه. وانهيار أسعار العقار هو كذلك كان الفتيل الذي أشعل الأزمة المالية الماضية. وانفجار فقاعة العقار عندنا في الثمانينات كان إعلان البداية لنهاية الطفرة البترولية الأولى. لذا فهناك من يربط بين انهيار العقار وبين انهيار الاقتصاد.
وهذا عند الأصوليين، قياس باطل لأنه قياس بلا علة. وهو في الاقتصاد، تعميم لعلاقة طردية صحيحة إحصائيا ولكنها خاطئة في النتيجة لجمعها بين السبب والمُسبب. فانهيار أسعار العقار قد يكون سببا لانهيار الاقتصاد وقد يكون مُسببا من أسباب انهيار الاقتصاد وقد يكون مجرد فتيل لاقتصاد جاهز للانهيار. وقد يكون سببا ومُسببا، فتعمل أسعار العقار في انهيار الاقتصاد ويعمل انهيار الاقتصاد في انهيار أسعار العقار.
فمتى يسحب انهيار سوق العقار الاقتصاد كله معه؟ هذا يكون في حالين، كلتاهما لا تنطبق على بلادنا. الأولى أن يكون سوق العقار مصدر عمل هام، فازدهاره يعني انخفاض مستوى البطالة وارتفاع القوة الشرائية، وبالتالي تشغيل الاقتصاد كله، كما هي حال سوق العقار الأمريكية. فانهياره كان سببا حقيقيا في ارتفاع البطالة بجانب تعلقه بالرهون وأسواق المشتقات، مما جعله فتيلا لبدء انهيار اقتصاد كان جاهزا للانهيار. وهو الحال الثانية. وليس العقار مصدراً للعمل عندنا فهذه حال لا تخصنا، وليس له متعلقات بالرهون ولا أسواق المشتقات.
والتشخيص الصحيح لوضعنا هو قياسه على الوضع الياباني، ولكننا وإن كنا سنجد التشخيص صحيحا إلا أننا سنخلص بنتيجة عكسية للنتيجة اليابانية.
فقد تضخمت أسعار العقار في اليابان بصورة جنونية أثناء نهضتها بعد الحرب. ولكل شيء إذا ما تم نقصان، سنة من سنن الله الكونية، لا مانع لها. لذا فعندما أدركت السوق العقارية اليابانية مدى المبالغة في أسعار العقار انهارت. فانهيار العقار في اليابان كان بسبب ذاتي محض، متولد من داخله. (كتوقع انخفاض شديد لأسعار العقار عندنا إذا خرجت لائحة رسوم الأراضي بمواد دقيقة جادة في تحقيق غرض فرض الرسوم على الأراضي).
وقد سبب انهيار أسعار العقار صدمة للاقتصاد الياباني. والصدمة هي انخفاض معدل الأسعار العام، فكيف يكون صدمة والعقار هو كلفة محضة على الانتاج إذا لم يكن مصدر عمل للمجتمع. لذا فمن المفترض أن يُعد انخفاض أسعاره امرا جيدا للنمو والتقدم، فالعقار كالطاقة يدخل في كلفة جميع الصناعات والخدمات. فإن لم يكن منتجا لفرص العمل فهو كلفة محضة على المستهلك. فانهيار أسعار العقار ينبغي أن يكون له أثر حميد على الاقتصاد، كالأثر الحميد لانهيار أسعار البترول على البلاد المستهلكة له. فانهيار أسعار العقار عندنا ليس له أي آثار سلبية على الاقتصاد بل هو دافع للنمو والتقدم بعكس اليابان. فأثر انهيار أسعار العقار عندنا كأثر انهيار أسعار النفط على الصين. ينفع الاقتصاد الصيني ولا يضره.
وكونه قد أضر باليابان فهذا لكون اليابان بلدا إنتاجيا عظيما، وكانت العقارات تشكل جزءاً كبيراً من كلفة الإنتاج الياباني. فانهيار أسعاره واستمرار انخفاضها عاما بعد عام خفض الكلفة الإنتاجية العامة، مما خلق انكماشا مزمنا في الأسعار اليابانية. وانكماش الأسعار العام يضر كثيرا بالاستثمار والإنتاج؛ لأن المستثمر والمنتج يرى ان استثماراته وانتاجه تنخفض قيمتها يوما بعد يوم، فالأجدى له عدم الاستمرار، مما يدفعه لعدم الاستثمار والإنتاج مما يسبب البطالة ودخول المجتمع في الدائرة المغلقة. (ونجاح برناكي في منع حدوث نزول الأسعار في أمريكا يعد من أكبر نجاحاته).
فحال اليابان وإن كانت تشخيصيا منطبقة علينا، إلا أن نتيجتها مختلفة تماما. فانخفاض أسعار الأراضي عندنا سيخفف من التضخم الناتج عن الإنفاق الحكومي على التنمية كما سيشجع حركة الاستثمار في بناء الأراضي، مما يحقق النمو فيعيد التوازن لمعدل الأسعار العام. أي أن الإقبال على الاستثمار في العقار لانخفاض أسعار الأراضي سيرفع الأسعار، فيوازنها مقابل ما قد يُحدِث انهيار العقار من انخفاض للأسعار. والبناء هو الجانب الإنتاجي الوحيد عندنا، وإن كان جزئيا كون العمالة والمواد مستوردة. وما عدا ذلك فكل اقتصاديات الإنتاج، لا تُنزل أوضاعها على بلادنا. فنحن لا ننتج بل نستهلك مقابل ثروة البترول التي لا تزود سوق العمل بفرص عمل تتناسب مع إنتاجها.
فالخلاصة، أن ارتفاع أسعار الأراضي هو شر كله، وانخفاضها او حتى انهيارها هو خير كله، وإن كنت لا أجادل أنه من الأفضل أن يكون تدريجيا، لأن التدرج محمود في كل شيء. والغيث يأتي ببعض الأضرار الفردية، ولكن نفعه يعم المجتمع كله.
* نشر في هذه الزاوية يوم الخميس الماضي 7-1-2016 مقال لي تحت عنوان (مع العودة بين يدي بن بية)، وحيث إن هذا المقال قد سبق نشره لي، ونتيجة خطأ تقني تم تكراره.. لذا لزم التنويه وإزالة اللبس.