هاني سالم مسهور
إيران تختنق سياسياً.. وصف دقيق ومختصر لتطورات متوالية بدأت بتسارع بعد حرق سفارة خادم الحرمين الشريفين في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، ومن المؤكد أن الإيرانيين أنفسهم لم يكونوا متوقعين المدى البعيد الذي ستذهب إليه ما اعتادوا على ممارسته عبر الغوغاء المنتظرين الخروج في التظاهرات المعتادة في إيران تحت شعارات «المد الثوري» للجماعات الطلابية وأفراد الحرس الثوري الذين يقومون بأدوار معتادة أمام السفارات الأجنبية في العاصمة الإيرانية طهران.
الاختناق السياسي الإيراني كان منتظراً ومتوقعاً بعد أن اعتقدت إيران أنها قادرة على أن تلعب أدواراً أكبر من حجمها، وبعد أن ازداد تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى المجاورة لها، ولعل التمدد الإيراني في العراق بعد العام 2003م يشكل نقطة تحول خطيرة في الأدوار الإيرانية التي شكلت نواة الفوضى العارمة التي تعيشها سوريا ولبنان واليمن وبالتأكيد فإن العراق هو صاحب النصيب الأوفر من هذه التدخلات الإيرانية المستمرة.
إيران وما بعد الاتفاق النووي لم تلتزم أبداً ببنود الاتفاق، وأثبتت بأنه لا يمكن أن تكون شريكاً مسالماً وطبيعياً في المنطقة، فالدوافع الجيو سياسية لدى الإيرانيين تدفعهم باستمرار نحو خلق الأزمات المستمرة منذ 1979م عندما سقط الشاه وجاءت دولة الولي الفقيه لم تعرف المنطقة فترة موسومة بالهدوء أبداً فمحاولات إيران الدائمة في تصدير الفوضى جعلت المنطقة في توترات متواصلة.
أوقعت إيران نفسها في مشكلة كبرى بدأت بالتدخل السافر في القرار السعودي الذي أيد حكم القضاء بإعدام سبعة وأربعين إرهابياً أدينوا باتهامات القتل والتحريض ضد الآمنيين والخروج عن الدولة والتخريب المتعمد مما يستحقون بموجبه القصاص العادل بعد محاكمات اكتملت كل عناصرها الصحيحة، لكن رأت إيران بعيونها الطائفية أمراً مختلفاً مما يجعلنا هنا نضع تساؤلاً أمام كل الإيرانيين وهو: منّ فوض إيران أن تكون مسؤولة عن شيعة العالم؟ يبدو أن الإيرانيين وهم يندفعون بحماقة الفرس المعلومة تاريخياً فقدوا أعصابهم ليتجاوزوا كل المحظورات بداية من تصريحات المرشد الإيراني ووصولاً إلى استهداف السفارة السعودية والاعتداء عليها.
تواصلت الإدانات وشملت كل العواصم، اتخذت الرياض قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية، وساندتها دول عربية بإجراءات وبيانات تأييد وتأكيد على حق المملكة العربية السعودية في اتخاذ الخطوات التي تضمن سلامة أفراد بعثتها الدبلوماسية، ويعطي المؤشر الآخر للمواقف العربية أن هذه الدول ضاقت ذرعاً بالتدخلات الإيرانية التي وصل ضررها إلى دول إفريقية تبعد مسافات واسعة عن إيران.
قدمت إيران اعتذاراً لمجلس الأمن الدولي عن اعتداء مواطنيها على السفارة السعودية وجاء الجواب السعودي سريعاً عبر المندوب السعودي في مجلس الأمن وكان صادماً للإيرانيين عندما اعتبر المعلمي أن الاعتذار لا يكفي وأن على إيران أن تقدم تعهداً والتزاماً واضحاً على عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للمملكة ولغيرها من الدول، هنا تحديداً تكمن واحدة من أهم المعارك الدبلوماسية التي ستكون حاضرة في المرحلة القادمة بين الإيرانيين ودول المنطقة.
الأزمات في سوريا والعراق ولبنان واليمن هي أزمات لم تكن لتحدث لولا التدخلات الإيرانية ودفع الخلافات الداخلية في تلكم الدول إلى صراعات مذهبية أوجدتها إيران لتحقق من خلالها أهدافها السياسية الكامنة في التوسع والنفوذ، الإيرانيين لم يكترثوا بالدمار الكبير الذي وقع في المنطقة وما تدفعه الشعوب في البلدان المتأزمة من ثمن باهظ أدى إلى مئات الآلاف من القتلى ومن التهجير القسري فضلاً عن تدمير البنى التحتية، والأخطر هو خلق الصراعات الإثنية في هذه البلدان.
من الواضح أن إيران ستواجه ملفات صعبة جداً للتخفيف من عزلتها في محيطها الجغرافي، كما أن المعركة الدبلوماسية ستقود الإيرانيين لمواجهة التأجيل الممكن لرفع العقوبات الدولية عنها، فلقد طالب الكونجرس الأمريكي بمراجعة رفع العقوبات بعد تجربة الصاروخ البالستي التي أجرته طهران في أكتوبر 2015م، وتبدو هذه واحدة من أهم المعارك السياسية التي ستخوضها المملكة العربية السعودية ومعها منظومة واسعة من الدول العربية، فليس أمام الإيرانيين كثير من الأوراق فهم يواجهون ما صنعته أيديهم من مشكلات وأزمات كبيرة في المنطقة وليس أمامهم من خيارات سوى أن تتجاوز الاعتذار إلى التعهد بعدم التدخل السياسي وغير السياسي في شؤون الآخرين، وعليهم أن يساهموا بجدية في تخفيف أزمات العراق وسوريا واليمن، ما بعد الاعتذار يحتاج إرادة سياسية إيرانية أو أن عليها أن تواجه عزلة سياسية وتصعيداً قد يعيدها إلى المربع الأول لتواصل العيش في عقوبات أنهكت الشعب الإيراني طويلاً مما ستؤدي إلى أزمات داخلية متواصلة ستهز أركان حكم الملالي بالتأكيد.