رمضان جريدي العنزي
لا تريدنا إيران أن نحيا حياة سوية، ولا أن نعيش بسلام، ولا بأمن ولا أمان، لا تريدنا أن نفكر، ولا أن نتأمل، ولا أن نستوحي الصور الجميلة، ولا المفردات العذبة، ولا القصائد الجميلة، ولا تريدنا أن نفتح نوافذنا كل صباح لنستعيد الندى، ونمارس طقوس الابتهال والفرح والدعاء، لا تريدنا أن نرسم الضوء في المربع الأخضر، ولا تريد لنا حلم الياسمين وحلم النوارس، ولا أطيارنا أن تغرد، أو تنشد الأزهار، ولا البهاء يعتنق البهاء، ولا برق الغيم أن يبهر الساري في وحشة ليل الصحراء، تريدنا بلا صوت، ولا همس، ولا بوح عشاق، لا تريدنا أن نجري، أو نلعب، أو نقطف الأزهار، وأن تكون خطانا مترعة بالنكوص وبالإياب، لا تريد لقلوبنا أماني، تريد أن تكون حجراتها ضيقة، وشرايينها متعبة، وأوجاعها تطول، تريد أن تكون شواطئنا يابسة، وقواربنا معطلة، وظلنا منكسر، والخسارات كثيرة، والرحى تطحن أعمارنا، وطرقنا مليئة بالفخاخ، واللصوص يتنفسون الهواء العليل، تريد أن تسرق منا الفرح، وأن تجعلنا على حافة الحلم، وحافة التأمل، وحافة البهاء، تريدنا ربع قصيدة، وربع رواية، وربع حسن، وربع جمال، وربع تطلع، وربع ابتكار، وربع مهابة، تريدنا القبح كله، والدمامة كلها، والبشاعة كلها، والرماد الكثيف، والشيخوخة وسادة دائمة لنا، لا تريد لبحرنا أن يمشي، ولا لطفلنا أن يكبر، ولا لشجرنا أن يثمر، ولا لسهوبنا أن يعمها البهاء والربيع، تريدنا مثل مجنون يحمل سنارته ويذهب إلى الصحراء، وبذهنه بأن هناك كثيراً من الأسماك، تريدنا شجناً وشحوباً وأسى، وأحلامنا مؤجلة، تموت مع آخر سحابة، تريدنا ظمأ صيف، وبرد شتاء، وتساقط خريف، وصوت ريح، وحالة قديمة، وقمحاً يموت في السنابل، ونخلة عجفاء، وجنة بلا مأوى، وتنور بلا رغيف، ومرجلاً يغلي، وغيمة لا تهمي، تريد أن تكون شموسنا باردة، تسكن وجع الروح، وتكسر الضوء، وتمحو الأثر، تريدنا شهيقاً يعاد، وانسكاراً يتلو انكساراً، وانحساراً وحصاراً وعمق سواد، تريد آفاقنا أن تشيخ، وحزننا يقبع بالفؤاد، وحلمنا يخبؤ، والويح يعظم، والرازيات كبار، والدماء موجة من عذاب، والخراب يتبع خراباً، تريدنا بلا هدى، ونداءنا بلا رجع، واتجاهاتنا بلا صدى، وأشجارنا يقطفها غيرنا، وأفقنا بلا ضوء، وأقدامنا بلا خطى، وليس لنا رؤى، تريد أن تبيعنا الهواء من غير هواء، وتعزف لنا لحن النائبات، وحزن النائحات، تريد غيمنا بلا ماء، وينبوعنا من حجر، وأن تفرش لنا الجمر فالطرقات، وتجعل فضاءنا دخاناً، وحقولنا ميتة، ونزفنا مستديماً، وليلنا بلا صبح، ورغيفنا مراً، وماؤنا علقماً، ولا نجزع، ولا نهب، ولا نهرع، ولا نكون كالمارد إذا ما أصابه الضيم، ولا نفل الحديد إذا ما حمى الوطيس، تريدنا أن نستكين، مثل مشرد أو مسكين، لا تريدنا أن ننتشي بعطر الرجولة، ونلبس درع البطولة، وننطح الموت، وما درت بأن المنايا لنا صحاب، وبأن للصبر عندنا حد، وللحلم حد، وبأننا نعاق الفضاء إذا ما جاء الجد، ولا نرى أمامنا أحداً أو نداً، وأن مسرانا طويل، ودربنا ألق، وبأنا شموس في ديجورها ننتقل، وأننا نسترخص نفوسنا، نزاحمها في اللظى، وللعز نستبق، وإنا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رغم الغدر، ورغم الحيف، ورغم العداء، وأن عزيمتنا لا تلين، ولا تستكين، ولا تنثني، وصوتنا يهدر، وميداننا مضطرب، وعدونا في وغب، إيران لا تعرف بأننا شعب ما افترقوا، ولا انكسروا، ولا باعوا الضمير، ولا باسم الدين قد باعوا أو نهبوا أو سرقوا، ولا خُنَّا، ولا كذبنا، ولا مننا، وأقمارنا تصدع بالنور، وهالاتنا غير مزيفة، وبأن أنفاسنا لا نشهقها بخوف، أو بلهفة، ولا نعيد قراءة الجمل، لأننا نستوعب بسرعة معنى الجمل، وأذهاننا تترسخ فيها الفكرة، رقابنا طويلة، وأيدينا بلا أغلال، ولنا أجنحة، وتحت أقدامنا يتفجر الينبوع، ويتحطم الصخر، ومن عيوننا يتطاير الشرر، ونعرف كيف نصنع الملحمة، وكيف نقاتل من أجل البلوغ، وكيف نمضي إلى الشمس، ونرتقي صهوة المجد، ذلك المجد الذي نستحقة، وإنا بأنفسنا نفاخر، ولنا بركان إذا ما أفاق هادر، ولنا ريح إذا هاجت بالويل جادت، نحن شروق الشمس، ومركز الظل، وبهاء الكواكب، إذا ما أفل كوكب، ظهر بعده ألف كوكب، نحن بشائر الغيم، وأرضنا لنا هوية، نحن للعدو سقم وغلظة وألم، وفي باحة الحزم ننبري، العدو عندنا له داء، ونسقيه سماً رعافاً عجبي، نحن لا نموت إلا واقفين، ليعرف الأعداء بأننا أناس من حجر.