جاسر عبدالعزيز الجاسر
نستعين بالتاريخ، ونجد أن أفظع الجرائم التي ارتكبت ضد البشرية تتمثل في الحصارات التي تفرضها الجيوش على المدن التي تترك داخل أسوارها حتى يتوفى سكانها أو يعلنوا استسلامهم.
أسلوب إجرامي مارسته الجيوش الغازية وآخرها ما فعله جنود التتر بقيادة هولاكو على عدد من المدن العربية، الآن يعود الأشرار لفرض الموت على المدن العربية، وهذه المرة مدينة مضايا السورية في الريف الغربي لدمشق، إذ فرض أشرار حزب حسن نصر الله الذي يسمي نفسه بحزب الله، وما هو إلا حزب الشيطان؛ لأنه يقوم بأعمال لا يرتكبها إلا عبدة الشيطان.
حزب حسن نصر الله وبمساعدة شبيحة نظام بشار الأسد فرضوا حصاراً ظالماً على مدينة مضايا التي تضم أكثر من خمسين ألف مواطن سوري منذ أكثر من عام، كان الكل يشهد سقوط العشرات من الضحايا؛ بسبب الجوع وعدم توفر ما يسد رمق أهلها الذين تحولوا إلى هياكل عظيمة, إذ أظهرت الصور والفيديوهات التي بثت من المدينة أنها تحولت إلى (متحف لظلم الإنسان)، وإن كان من يحاصرون المدينة يستحقون أن يوصفوا بهذه الصفة.
وقد ارتفع عدد الوفيات في مضايا خلال الأيام الأخيرة إلى أكثر من ثلاثين شخصاً جراء الجوع، في حين ينتظر عشرات الآلاف - تحولوا إلى هياكل عظيمة - مصيرهم في ظل انعدام المواد الغذائية والدوائية، بفعل الحصار المفروض على المدينة منذ سبعة أشهر، ويحدث كل هذا بمرأى ومسمع من المجتمع الدولي دون حراك.
وتفاقمت معاناة سكان مضايا بسبب العواصف الثلجية التي هبت أخيراً في ظل انعدام وسائل التدفئة وغياب التيار الكهربائي، وتم نقل عدد كبير من المسنين والأطفال إلى المراكز الطبية المحلية جراء حالات إغماء وإعياء. وإزاء ذلك، حذر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من كارثة إنسانية تهدد حياة المحاصرين جوعاً وبرداً في مدينتي مضايا وبقين بريف دمشق الغربي، ورأى أن صمت المنظمات الدولية يجعلها شريكة في جريمة حصار المدنيين. وطالبت اللجنة القانونية للائتلاف في بيان لها الجامعة العربية والأمم المتحدة والمبعوث الأممي الخاص بسوريا بتحمل مسؤولياتهم تجاه المدنيين المحاصرين، والتحرك الفوري والعاجل لإنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء، وفك الحصار عنهم والدخول الفوري لقوافل المساعدات. وأهابت اللجنة القانونية للائتلاف بجميع منظمات حقوق الإنسان الدولية التحرك والضغط على المجتمع الدولي وعلى حكوماته لإنقاذ المدنيين في مضايا وباقي المدن السورية المحاصرة عامة. وكانت الأمم المتحدة أشرفت نهاية الشهر الماضي على تنفيذ هدنة الزبداني والفوعة، وكان من ضمن الاتفاق بند يطالب بفك الحصار عن مضايا التي تتبع إدارياً مدينة الزبداني، وتابعت المنظمة الدولية عملية تبادل الجرحى بين المعارضة والنظام. وكل أهالي مضايا اضطروا أخيراً إلى أكل لحوم القطط والكلاب وأكل الحشائش والبحث في مكبات النفايات، وذلك بسبب انعدام الطعام والأغذية في البلدة التي تضم نحو 50 ألف مدني.
وبلغ سوء الأوضاع بمضايا في الأيام الأخيرة حداً لا تستسيغه الإنسانية، ويؤكد أطباء من المستشفى الميداني في مضايا تردي الأوضاع الصحية لأهالي المدينة، حيث وصلت للمستشفى ثلاثون حالة تسمم نتيجة أكل أوراق شجر الزيتون، وهي المادة الخضراء المتبقية في البلدة بعد تساقط الثلوج. وتشير التقديرات إلى أن مضايا تشهد نحو مئتي حالة إغماء يومياً بسبب سوء التغذية.
ولفت سكان في المدينة إلى أن أسعار المواد الغذائية - التي يقوم منتفعون يتبعون النظام أو حزب الله بتوفير كميات محدودة منها - وصلت لمستويات (صاروخية)، حيث بلغ سعر كيلو غرام من حليب الأطفال 150 دولاراً أمريكياً، وكيلو غرام من السكر أكثر من 153 دولاراً.
ونُقل عن سكان في مضايا أن مقاتلي حزب الله وضعوا تسعيرة للمبادلة على حواجزهم التي تطبق على مضايا، بحيث تتم مبادلة بندقية مقابل عشرة كيلوغرامات من الطعام، ودراجة نارية مقابل عشرة كيلوغرامات أخرى، وسيارة مقابل 15 كيلوغراماً.
هذه صورة من الواقع الذي فرضه حزب الشيطان في سوريا، ومع هذا يعترض بعض الناس على تصنيفه كجماعة إرهابية.