د. حسن بن فهد الهويمل
علم الله أنني لا أحب الجهر بالسوء من القول، أو الفعل ضد أي إنسان، مهما اختلفت معه، ومهما كان حجم إساءته.
ولقد كنت، وما زلت أنطلق من إنسانية الإسلام الوسطية، وتكريمه لبني آدم، ما وسعني ذلك.
ولقد قضيت ما قضيت من حياتي، لم أرق فيها دماً حلالاً، أو حراماً. ولولا ما أنا عليه من محاولة جادة لاقتفاء أثر الشارع الحكيم، على مذهب السلف الصالح، لكنت نباتياً، لا يجرؤ على قتل كل ذي روح، وإن كان مباحاً.
ومع كل هذا، فإنني أتمنى للظالم نفسه، ولبني جنسه الهداية، والأوبة النصوح من قريب، ومن قبل أن يُقْدر عليه.
وكيف لا أكون متسامحاً، والله سبحانه، وتعالى يقول بحق {أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، الذين يتعمدون قتل المؤمنين على إيمانهم:- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}.
لقد توعدهم الله، ودعا عليهم {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} وهم قد فتنوا المؤمنين. ومع ذلك يقول:- [ثم لم يتوبوا]. وهو قد قال بحق المحاربين:- {الاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}.
فهذا القدر من التسامح، وفتح أبواب الأوبة، وتمهيد طريق الإنابة، وصحوة الضمير، يجب أن تسود مشاهدنا العربية، والعالمية، القائمة على العنف، والتصفية، وتغذية الأحقاد، والكراهيات، والتصعيد الذي لا عودة معه.
وحين أناشد العالم المتحكم بمصائر الأمة العربية، وأناشد المقتدرين من قادة الأمة العربية، ممن عُرِفوا بالوسطية، وفتح أبواب الأوبة لكل آبق. وفي مقدمتهم [المملكة العربية السعودية ] فتح ملف إيران، فإنما أريد إنهاء هذه الفوضى الدموية التدميرية، التي حاقت بعالمنا العربي، وبلغت به الدرك الأسفل من المهانة، والهوان، والضعة، والعداوة، والتفكك. ولا أريد بفتح الملف مزيداً من القتل، والتدمير.
التدخلات الإيرانية المعادية للعنصر العربي: [شيعة]، و[سنة] قضية مُسَلَّمة، لا يختلف حولها أحد.
وتواطؤ العالم مع هذا الحراك المشبوه، أو قل سلبيته واضحة للعيان.
لقد أصيب العالم الغربي بشيء من الخوف، حين وضع الملالي، والآيات الانقلابيون أيديهم على قوة [الشاه]، التي تعد القوة الخامسة في العالم، والأولى في الشرق الأوسط.
ولم يستقر له قرار حتى قُضِيَ على هذه القوة بقوة عربية، وأموال عربية، قاتلت، وأنفقت بالإنابة.
وتلك التصفية التي أهانت إيران، وجرعته السم - كما يقول قائلهم - خلقت قوة عربية مشابهة، وغير متزنة.
ولم يكن بوسع أي دولة من دول المنطقة مواجهتها، الأمر الذي حدا بـ[أمريكا] للتشمير عن ساعدها، لتدميرها، ولكنها إذ فعلت لم تحسن التصرف.
ولأن العالم العربي قد شبَّ عن الطوق، وحاول أن يستقل ببعض سيادته، في اتخاذ قراراته، فقد دفع الغرب بـ[إيران] لتسهم معه في الرجوع بالعالم العربي إلى الوراء، وتدمير منجزاته المتواضعة.
ومن المسلمات أنه ليس بإمكان كائن من كان أن ينجز مهماته، دون عميل يشاطره المهمة.
و[إيران] الفارسية المجوسية التي تستبطن العداوة للعنصر العربي، هي خير من ينهض بهذه المهمة.
الغرب ليس عَدُوَّا لإيران، وفي الوقت نفسه ليس صديقاً دائماً لها. كما أنه ليس عَدُوَّا للعرب، وليس صديقاً دائماً لهم.
الغرب له مصالح، ولديه [إستراتيجيات] واستشراف مستقبلي، وحماية لمصالحه. وخوفه من [الإسلام السني] متأصل في أعماقه، منذ [الفتوح الإسلامية]، ومنذ [الحروب الصليبية]. وهو لا يريد للعرب بوصفه عيبة الإسلام السني أن يمتلك من القوة: الحسية، والمعنوية ما يرقى بهم إلى مستوى الندية. وتلك معادلة صعبة.
والأمة العربية في ظل هذه التدخلات قادرة على تحييد الغرب، أو احتوائه، ومن ثم السيطرة على مشكلة العداء المجوسي للعرب.
ولن يتأتى ذلك إلا بالفهم الحقيقي للإسلام، ومقاصدة، واتساعه للإنسانية، ومشروعية التصالح، والتعايش، وتبادل الخبرات بين شعوب الأرض مهما اختلفت عقائدهم، وأعراقهم.
وهذا الانفتاح المُطَمْئِن للغرب، لا يحول دون الدعوة الإسلامية، والإبلاغ بالمأمور: [بلغوا عني ولو آية]. وقد مورس ذلك كله باحترافية، قبل [الحادي عشر من سبتمبر]، في الغرب، وفي أمريكا بالذات.
إن فتح ملف إيران لا يكون إلا بعد تدارك الذات المتناقضة مع نفسها.
قوة إيران، وجلدُها، ومغامراتُها التي أضرت بها، وبالأمة العربية، لم تكن ناتج قوة ذاتية.
ضعف الأمة، وتفككها، وتناحرها، ونفاذ اللعب إلى أعماقها أعطى إيران ما ليس لها.
وليس أدل على ذلك من عجز إيران عن مواجهة [عاصفة الحزم] التي قامت، لإنهاء تدخلها في اليمن. وكذلك استسلامها للتدخل [الروسي] في [سوريا]. وعجزها عن تطويع الفصائل المتصارعة في العراق. واستسلامها للتدخلات العالمية لمواجبة [داعش] في كل من [العراق] و[سوريا].
لقد بدت عداوتها، وتجلى كيدها، وأضر بالأمة العربية ما تمارسة من تدخلات سافرة، ودسائس دنيئة، في سائر الدول العربية، وبخاصة دول الخليج. ولقد أشرت من قبل إلى صراع القوى المحلية حول الهيمنة.
وتاريخ إيران الحديث منشور الصحف، وأطماعه التوسعية كالنهار، لا يحتاج إلى دليل. وليس بخاف على أحد ما فعلته [إيران] في [العراق] من تدمير متعمد لكل قدراته، ومكوناته السكانية. وما خلفته من عداوات بين طوائفه، وأعراقه المتعايشة، وما فعلته، وتفعله في [سوريا] و[لبنان] و[اليمن].
وهي أفعال بادية للعيان، تجمع بين القتل، والتدمير، وتكريس العداوة، والبغضاء بين المكونات السكانية لتلك الدول.
ولأن القيم الإسلامية، والعربية تُحَرِّم الغدر، كما في قوله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}، فإن على الأمة العربية أن تتخذ موقفاً موحداً من [إيران]. وأن تواجهها بتجاوزاتها، وتعدياتها، عبر القوة الناعمة. فإن اعترفت، واعتذرت، واستقامت فواجب العرب مبادلتها بالمثل. وإن أصرت، وكابرت، وتمادت في غيها، فإن على الأمة اتخاذ التدابير الرادعة لها، والموقفة لها عند حدها، والحاسمة لتعدياتها. وبخاصة ما تمارسه ضد [المملكة العربية السعودية] التي لقيت في تعاملها معها أصناف الإيذاء في الساحات، والمحافل، والمواسم الدينية.
وفي ظل الأحداث المتلاحقة، لا مجال للمداهنة، أو المدارات.
[إيران] تشكل العدو الأول لـ[دول الخليج]. وما لم تُطْرح قضيتها عبر جامعة الدول العربية، وكافة المؤسسات، والمنظمات، والمحافل الدولية. وما لم يوضع [خارطة طريق] لحسم الموقف معها، فإنها ستصفي قدراتنا، وإمكانياتنا، وستغير توازن القوى، وتزرع الفتن بين مكوناتنا السكانية، المتصالحة مع بعضها.
يتبع...