جاسر عبدالعزيز الجاسر
في الغرب، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، تنشر مؤسسات العلاقات العامة التي تتنوع أعمالها من القيام بحملات صحفية، تستهدف (تلميع) الزبون الذي يدفع، أو تشويه منافسه أو عدوه، ولهم في ذلك أساليب وطرق، منها إقامة الندوات وعقد المؤتمرات، وإصدار الدراسات التي يقوم بها أشخاص يضخمون مراكزهم العلمية، وينتفخون في تخصصاتهم.. وهؤلاء يقومون بنشر المقالات الصحفية، والظهور في لقاءات تلفزيونية مدفوعة.. وإلى جانب ذلك تكوين (لوبيات)، تخدم من الذي يدفع أكثر. ومهنة الانضمام للوبيات، والعمل لخدمة أنظمة ليست لها علاقات مع أمريكا، يجيزهما القانون، بل يصنف الأعضاء المنتمين لتلك اللوبيات بـ(عملاء)، ولهم وضعهم القانوني، ولا يعتبرون جواسيس، أو يقومون بالتخابر مع دولة أجنبية، بل عُمل لذلك العمل ضوابطه. ورغم أنه يقوم على الخداع الإعلامي والسياسي إلا أنه يعد مهنة معترفاً بها في الدول الغربية، ومنها أمريكا، تحت مسمى مؤسسات العلاقات العامة.
نظام ملالي إيران استفاد من آلية تنظيم (اللوبيات) في أمريكا بالذات، وفي دول غربية أخرى، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا؛ إذ تكونت جماعات ضغط مؤيدة للملالي، تنظم اللقاءات والمؤتمرات، ويقوم كتّاب مأجورون بتسطير المقالات التي تدافع عنهم، ويخرج منهم في لقاءات تلفزيونية مدفوعة، حتى أفلحوا في صناعة رأي عام مؤيد لملالي إيران، رغم كل التجاوزات التي يرتكبها النظام، الذي استطاع إبرام اتفاق (هش)، لا يتفق مع المصالح الغربية ومصالح المنطقة (الشرق أوسطية)، الذي حقق للملالي ما كانوا يصبون إليه من إقامة صناعة نووية دون المساس بها، وإن أوقف العمل بها مقابل إعادة النظام الإيراني إلى حظيرة العمل الدولية دون التأكد من صلاحيته وتوقفه عن التجاوزات التي دأب على القيام بها، وبخاصة دعمه للإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبخاصة الدول المجاورة.
وهكذا حصل نظام ملالي إيران على صفقة غير متكافئة، تتيح له رفع العقوبات المفروضة عليه، مقابل تجميد نشاطاته النووية. وهذه الصفقة رغم أن النظام الإيراني وافق عليها مرغماً بسبب تردي أوضاعه الاقتصادية، وإدخال الإيرانيين إلى دائرة الفقر، إلا أنها لا تجنّب العالم شرور هذا النظام؛ إذ يواصل تطوير وإنتاج الصواريخ البالستية التي تعد السلاح المكمل للسلاح النووي؛ إذ بلا صواريخ لا يمكن نقل الأسلحة النووية، ومع هذا لم تشمل الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الغربية مع نظام ملالي إيران. كما أن الاتفاق لم يتحدث من قريب أو بعيد عن النشاط الإرهابي للنظام، سواء في الدول المجاورة بالمنطقة العربية، أو في الدول الإفريقية، بل حتى في الدول الأوروبية، من خلال دعمه للجماعات الإرهابية.
وهكذا، فإن صفقة الاتفاق النووي تُعد في كل الحسابات لصالح نظام ملالي إيران؛ ولذلك فقد نشطت أجهزة العلاقات العامة في أمريكا والدول الغربية الأخرى للترويج له، وتحصينه من الرفض في الكونغرس الأمريكي والبرلمانات الأوروبية، فيما عدت الدوائر الإيرانية الحاكمة، بمن فيها كبيرهم مرشد الملالي ورئيس النظام روحاني، ووزير خارجيته (الضاحك دائماً)، البدء في تنفيذ اتفاق الصفقة حدثاً تاريخياً لإيران؛ إذ سيوفر ثلاثين مليار دولار للنظام الذي كادت تُسقطه العقوبات الاقتصادية.
أركان وقيادات نظام ملالي إيران يهللون لبدء تنفيذ الاتفاق، الذي سيذهب جله أو جميعه إلى جيوب المتنفذين من الذين يديرون النظام، وأولهم الحرس الثوري الذي أعلن توقيعه صفقات لشراء أسلحة من روسيا وفرنسا وبريطانيا، تتجاوز واحداً وعشرين مليار دولار؛ ما يعني قضم ثلثي ما حصلت عليه إيران لشراء أسلحة، ودفع رشاوى لجيوب قادة الحرس الثوري، وترك تسعة مليارات - إن سلمت من الفساد - لإطعام الشعوب الإيرانية التي عانت من الحصار والجوع طوال حكم الملالي. ومع هذا لا تزال مؤسسات العلاقات العامة في الغرب تمارس الرقص مع ملالي إيران على الصحف والنوافذ الإعلامية في أمريكا وأوروبا.