د. خيرية السقاف
قالت:
ترك الباب مواربا بينه، وبيني، لا أدري أكان يعلم بأن ليس للبرِ بأمه باب موارب..؟
في حين يشرع ضلفتي بابه إلى مداهما لمكاسبه المادية..؟!
فرصيده في البنك يرتفع، بينما رصيده معي يتناقص..
* * *
أجهشت، ثم احمرت غضبا،
ثم ما لبثت أن أسرعت لمنديلها تمسح دمعا تحدر فجأة وهي تهز رأسها بالنفي: لا، لا
فقط كنت أخاف عليه من حرقة دموعي..
* * *
واصلت ما تقول:
بابه الموارب تم إغلاقه نهائيا..!
ثم رجف كتفها كأنها تنفض شيئا،
وإنني أصغي لوقارها وكسرها في آن..
وهي تكمل : ابني كبر، كبر كثيرا، في علمه، في عمله، في أسرته، في ماله، ثم لم يكتفِ،
دخل من الباب الموارب بيني وبينه، ثم خرج، ولم يُبقِ لي شيئا..!!
ذهب بكل شيء،!
ذهب وقد لملم في كيسٍ جشعه كل شيء،
لا ما يمت له بي، فقد دعس على كل شيء..
ونثره أشلاء في طريقه الذي أقفى عنه، ولم يعد.. ولا أنتظره أن يعود..!!
سرق سهري وآلام أحشائي،
سرق نبضي وخوفي عليه،
سرق أيامي ولدونة كفيّْ،
سرق بصري بكاء عليه،
سرق حتى الحنين في صدري له،
وارتفع فوق تلال ماله، ولم يكتفِ..
لم يكتفِ
فأخذ مالي، وقضّ بالي،
ثم أسرج الشعلة في غضبي، ولهب حنقي..
الناس تراه وجيها بعلمه، رمزا في عمله، ثريا في مظهره
لكنه الفقير في الاحسان بي،
المعوز في البرِّ، الغافل عن طاعة ربه فيَّ.!
بابه الذي واربه بيني وبينه أغلقته، وأحكمت إقفاله،
صببت عليه الحديد..!!
* * *
وبكوب من الشاي مدت إليَّ يدها وهي تهتز..
تناولته منها، وليس ثمة ما أقول، فحُرقتها بلغني منها حميمُها حدَّ الإيلام..
فإذا بها تقول لي:
لي طلب عندك يا خيرية، اكتبي عن البر، عن العقوق،
لا، لا، اكتبي عن الباب حين يتحول إلى سدٍّ من الحديد لا يدك أبدا بين الأم وابنها..!!
* * *
تلعثمتُ أتمتم،
لا حول ولا قوة إلا بالله..
* * *
نقلت المشهد، ولسان حالي يردد: «ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به»، اللهم اهد الضال العاق، وأعنه على طاعتك بهدايتك، ولا تجعل الدنيا أكبر همه، ولا مبلغ علمه، وافتح ما بينه، وبينها من باب مسدود، وكل العاقين.
* * *
ثم، لا يغرنكم لسان رطب بالكلام، ووجه طافح بالبشر..
اسألوا عن علاقة الفرد بأمه، وأبيه، لتعرفوا معادن الذين يتعاملون معكم،
ذلك المحك، إما أن تُقدِموا إليهم، أو تحجموا عنهم..!!