هاني سالم مسهور
واقع سياسي جديد يفرضه رفع العقوبات الدولية عن إيران، واقع علينا أن نقرأه كما هو وليس كما يراد لنا أن نقرأه، فإيران التي باعت مشروعها النووي مقابل أن تكون شريكاً طبيعياً في العالم تواجه أيضاً إشكاليات أخرى لا يمكن أن تتجاوزها بذات الكيفية التي نجحت فيها من خلال مفاوضات عسيرة بداية من مجموعة الخمسة زائد واحد أو من مواجهتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة في المفاوضات الثنائية التي انتهت برفع العقوبات مع بدء تنفيذ الاتفاق النووي في 17 يناير 2016م.
تنتظر واشنطن من إيران تحولاً داخلياً من خلال بنية النظام الإيراني سواء مع انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة أو من خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام القادم، هذا الانتظار الأمريكي للإصلاحات الإيرانية يعيدنا إلى المربع الأول وتحديداً عند العام 1979م عندما انطلقت الثورة الخمينية وهي المرحلة التي ما زالت تعيش فيها إيران صراعاً داخلياً عنيفاً في تحديد إطارها العام وحتى جوهرها ليبقى التساؤل شاخصاً: هل هي ثورة أم دولة؟ وهل يمكن التزاوج بين الثورة والدولة؟ وكيف يمكن الانفكاك بين الثورة والدولة؟
سيطول الانتظار الأمريكي في انتظار حسم المسألة الإيرانية حتى وإن انفتح الإيرانيون على الغرب، فالمعضلة الإيرانية هي أنها في أكثر من ثلاثة عقود مضت لم تستطع الخروج من إطار اللحظة الخمينية الفارقة في التاريخ الإيراني، هذا الجانب العميق تحليلاً يقودنا إلى غاية تصدير الثورة ومقاصدها وما آلت إليه أحوال المنطقة العربية الأكثر تضرراً من السياسات الإيرانية.
أجزم أن مشكلة إيران هي أنها تتعصب ناحية المزاوجة بين الحضارة الفارسية والمذهب الشيعي، هذا التزاوج وإن كان مفروضاً على الحكام الإيرانيين من أجل مسوغات الحكم والسلطة فإنه هو المسار المؤدي إلى ما بلغته إيران من حالة التصادم العنيف مع العالم العربي بداية من الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، ووصولاً إلى سيطرتها على القرار السياسي في العواصم العربية بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الاتفاق النووي جنب منطقة الشرق الأوسط حرباً حقيقية في المنطقة، طبعاً هو يتحدث عن البعُد المغيب عن الذهنية العربية في خضم الصراعات العاصفة في المنطقة، فالرئيس الأمريكي يقصد تحديداً الحرب بين إيران وإسرائيل متجاهلاً أن الفوضى الإيرانية هي التي تسببت في قتل مئات الآلاف في العراق وسوريا، وأن هذه الفوضى كانت سبباً في تهجير ملايين من العراقيين والسوريين وخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ البشري.
إذا كانت الولايات الأمريكية قد تجنبت الانخراط في الصراعات القائمة في الشرق الأوسط بشكل مباشر، فإن عليها أيضاً أن تراجع سياساتها التي أدت إلى ما هو أسوأ عندما وجدت العناصر المتطرفة أرضية واسعة في ظل هذه الصراعات بأن تقيم لنفسها دولة أسمتها (داعش) تمارس القتل والعنف ضد كل الأطراف سوى الإيرانيين والإسرائيليين فقط.
هنا نحتاج أيضاً للحظة توقف بالغة في القراءة العميقة، كيف نتجاهل التصادم بين (داعش) وإيران؟ وكيف نتجاهل تصادم (داعش) وإسرائيل؟ ويمكن للأمريكيين أن يبحثوا وهم يدركون مدى العلاقة الوثيقة بين تنظيم القاعدة الإرهابي والإيرانيين، وأن هذه الأسئلة وإن كانت صعبة إلا أن الإجابة فيها ستكون منطقية في منهج التدليل على مسارات مستقبلية تحمل تباشير استمرار العنف والعنف المضاد.
إيران ما بعد رفع العقوبات الدولية عليها أن تدرك واقعاً آخر في أزمتها مع الآخر وبشكل أدق مع جيرانها العرب، هذه الأزمة التي تصاعدت كثيراً في أعقاب الاعتداء على السفارة السعودية في طهران ونجاح الدبلوماسية السعودية في استقطاب الدول العربية إلى جوارها يضع الإيرانيون في موقف مضطرب مع رفع العقوبات الدولية عنها، فلا يمكن للاقتصاد الإيراني أن يقف على قدميه من خلال العلاقة مع الاقتصادات الأوروبية والأمريكية متجاوزة علاقاتها مع الاقتصادات الشرق أوسطية وهي الأكثر تأثيراً في أسواق النفط.
قد نترقب من البيت الأبيض تحركاً مختلفاً تجاه العلاقة مع الشرق الأوسط، فليس هناك ما يشجع في المدى القريب والمتوسط على بناء الثقة الكامل مع إيران مع التزام الأمريكيين ناحية حلفائهم في الخليج وهو ما يجعلنا فعلياً نترقب أداءً أمريكياً مختلفاً في محاولة تخفيف الاحتقان من الملفات الملتهبة التي سيكون الملف اليمني على رأسها من باب اختبار حقيقي للنوايا الإيرانية إن كانت ترغب في أن تكون جزءاً من العالم أو تستمر في عزلتها العربية.