د. أحمد الفراج
لا أدري هل هي الصدفة، أو الحظ، فقد كان لي حكاية «خاصة» مع الرئيس الأمريكي المرموق، بيل كلينتون، والذي حكم أمريكا لفترتين رئاستين (1992-2000)، إذ كانت فترته الرئاسية هي الفاصلة بين فترتي حكم آل بوش، جورج الأب ( 1988-1992)، وجورج الابن (2000-2008)، وكانت فترة هذا الرئيس الشاب، صاحب الكاريزما الأخاذة، واحدة من أفضل الفترات الرئاسية، إن لم تكن أفضلها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خصوصاً ما يتعلّق بالازدهار الاقتصادي، وقد رأيت كلينتون لأول مرة، على قناة تلفزيونية أمريكية سياسية إخبارية، تُسمى قناة سي سبان، وذلك في عام 1988، وكان حينها حاكماُ لولاية أركانساس الريفية، في عمق الجنوب الأمريكي، وهي ولاية صغيرة، وفقيرة، وتشتهر بمزارع إنتاج الدجاج، وأذكر أنه بهر الجميع بحيويته، وشبابه، وأناقته، وحديثه الممتع، إذ كان حديثه ينساب بسلاسة، ولا يكاد المتابع يخطئ لهجته الجنوبية الريفية، والتي يحاول إخفاءها دون جدوى، ولكنها تهزمه بعفوية، واللهجة الأمريكية الجنوبية لهجة جميلة، ولكنها ارتبطت في وجدان المواطن الأمريكي بالتاريخ العنصري لولايات الجنوب، وبالتالي فإن استخدامها قد يضر بالسياسي الطامح.
أذكر أنني، عندما شاهدت السياسي الطامح، بيل كلينتون، وهو يلقي تلك الكلمة، قلت لبعض الأصدقاء إن هذا الشاب سيحكم أمريكا ذات يوم، ولكنني لم أتوقّع أن يحدث ذلك بتلك السرعة، إذ لم يكد كلينتون يكثف ظهوره الإعلامي، أثناء رئاسة بوش الأب، حتى أصبح مطلباً جماهيرياً ملحاً، وعلينا أن نتذكر أن الشاب كلينتون استطاع أن يصبح وزيراً للعدل في ولاية أركانساس في عمر التاسعة والعشرين، ثم أصبح حاكماً للولاية في عمر الثانية والثلاثين، كأصغر حاكم في الولايات المتحدة الأمريكية حينها، وكرابع أصغر سياسي ينتخب حاكماً لولاية في التاريخ السياسي لأمريكا، علاوة على أنه محام بارع، حصل على شهادة الدكتوراه في القانون، وعمل أستاذاً في جامعة أركانساس، وكان، قبل ذلك، قد تلقى تعليمه في جامعة ييل الأمريكية العريقة، وجامعة اكسفورد البريطانية الشهيرة، وعلى عكس ما يتوقّع الكثيرون، فلم يولد كلينتون وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم يعرف حياة الرفاهية، بل إنه عاش طفولة بائسة، وحياة شديدة القسوة، إذ توفي والده قبل أن يولد، ثم تزوجت أمه من رجل آخر، اشتهر بالقسوة على والدة كلينتون، وعلى أخيه من أمه، روجر كلينتون، نتيجة لإدمانه الكحول، وكان للشاب بيل كلينتون مواجهات عنيفة مع زوج والدته، وذلك دفاعاً عن والدته الضعيفة، وأخيه الصغير، وسيتواصل الحديث عن هذا الرئيس، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس حتى اليوم، سواء في إدارته «الناجحة» للإمبراطورية الأمريكية، أو في مغامراته العاطفية، التي كادت أن تورده المهالك!