د. حمزة السالم
يعني باختصار ان هناك حمقى ونصابين، يشترون ويبيعون الريال بالأجل، هذه زبدة القصة. فالنصابون يخلقون سوق العملات للحمقى. فالنصابون من وسطاء أسواق العملات، يستغلون فترة هرج ومرج الإعلام في حالة ارتفاع النفط أو في حالة ارتفاع انخفاضه ليخلق سوق عملات الحمقى. فتراه اليوم، يبيع بسعر منخفض إذا جاء طلب شراء للريال، وتراه يطلب شراء ريال بسعر منخفض، ليخلق سوقا على الريال. وقد يكونان وسيطين متفقين، أو وسيطا واحدا برخصتين، فهو لا يخسر شيئا. فهو البائع والشاري والدلال الذي يأخذ العمولة.
وهذه مبايعات بل مراهنات لا تسليم فيها ولا استلام إنما هي على ورق. ولا تستمر إذا ما كانت عقود بيع مستقبلية، وأما إن كانت من نوع العربون، فهي عقود ميتة حتى انقضاء فرصتها. فالذي يحدث، أن يتواجد أحمق على شاشة الكمبيوتر فيرى مقامرات على الريال، فيبحث عن معلومات، وبالطبع، فعقله لا يقوده الا للتقارير التي تناسبه، من هرج ومرج بنك آوف أمريكا أو صندوق النقد أو غيره. فإذا هو منساق للدخول إلى ساحة القمار، فتراه مثلا يعرض للبيع عقدا مستقبليا على مليون ريال بسعر صرف منخفض عن سعره اليوم. وفي الجهة الأخرى أحمق آخر أو نصاب فيشتري هذا العقد. ويأخذ الدلال من كل من الطرفين ضمانا بالدولار، خمسة بالمئة مثلا. ويكون الأحمق قد حصل على تسهيلات تمويلية من نصابي ممولي المضاربات في اسواق العملات. فالآن قد بيع مليون ريال بعد عام بسعر 3.80 مثلا للدولار. ولم يدري عنهم الريال ولا مؤسسة النقد.
فمتى استهلك الحمقى، غاب النصابون فتوقف السوق وعاد الريال لسعره. ويخسر الحمقى ضماناتهم التي استولى عليها الوسيط وأعطاها للطرف الرابح الذي يكون عادة نصابا آخر. هذا الذي يحدث عندما يقال: إن الريال قد انخفضت قيمته في العقود الآجلة. فما هناك من ريال بيع ولا ريال شراء، انما مجموعة حمقى يقامرون في سوق النصابين. وتصريح مؤسسة النقد كاف في قتل هذه العقود كلها.
وأسواق العملات المستقبلية، على كل حال، يكذب من يدعي علما فيها. وأذكر أن قرين سبان، رئيس الفدرالي الأمريكي السابق قال في إحدى جلسات افتتاح العمل باليورو، قال: لي اكثر من خمسين عاما في سوق العملات وأجهل كيف تكون عليه اسعار العملات في المستقبل، وأعتقد ان هذا الجهل يشاركني فيه كل من في القاعة»، وقد كان اجتماعا لرؤساء البنوك المركزية الأوروبية.
واختيار الريال دون الدرهم أو الدينار الكويتي، لأن السعودية بحكم مكانتها وحجمها، هي محل هرج ومرج الإعلام المتعلق بالشرق الأوسط، عندما لا يجد الإعلام خبرا جديدا. فالأخبار هي بضاعة الإعلام، إن وجدها وإلا أختلقها. تماما كالطقس. ففي غياب الاخبار غير الطبيعية، تجد محطات الاخبار الامريكية جميعها تهرج وتمرج عند مجيئ يوم حار في الصيف او مجيئ يوم بارد في الشتاء. وقد علق مذيع أمريكي ساخرا على هذه الظاهرة قائلا: «أمريكا بلد حار في الصيف وترتفع فيها الرطوبة، وهي بلاد باردة في الشتاء وينزل فيها الثلج» وكذلك فالنفط سلعة تزيد اسعارها وتنقص، هناك من يتضرر بها وهناك من ينتفع، وهناك من لا يتأثر بها، كالثلج والبرد والحر، ولا يعني هذا حدوث كوراث ضخمة. فتذبذب اسعار النفط هو أمر معلوم، وقد مرت بنا أعوام في العقد الماضي، وبنك آوف امريكا ومورجن ومودي وصندوق النقد وغيرهم، يصدرون التقارير، الواحد تلو الآخر عن استحالة نزول أسعار النفط وأن على العالم نسيان النفط الرخيص. وقبل ذلك بعقد كانوا يصدرون تقاريرا مشابهة لتقارير اليوم. فهم كالإعلام، التقارير والتنبؤات الاقتصادية هي عملهم، والزبون يحب سماع ما يريد سماعه وتميل نفسه لتصديق واقعه واليأس من تغيره، فهم يرضونه بما يريد أن يسمع..
وليس جهلاً ولكنه تجاهل مقصود، عدم ذكر الإعلام مقارنة بين وضع السعودية اليوم ووضعنا في الثمانينيات مع نهاية الطفرة الأولى وانهيار أسعار النفط. يكفي أن احتياطياتنا الأجنبية كانت تبلغ آنذاك 27 مليار دولار فقط أي ما يقارب ستين مليار دولار اليوم. وقد مرت عشرون عاما ولم يتأثر الريال، رغم حرب الخليج والظروف الأخرى التي عشناها. فكيف اليوم والاحتياطيات عشر أضعاف ما أكفانا عشرين عاما من قبل.
فرواج إشاعات الريال كرواج سوق محللي الاسهم قبل الانهيار وبعده، فالجمهور يتابعهم، رغم أنهم طاروا به في الطفرة فوق السحاب، وأسقطوه في النكسة تحت الأرضين السبع، وما زال الجمهور يستمع لهم، لانهم يتحدثون بما يتحدث به الشارع، ونفس المتلقي تميل لما تآلفه، فتتخيره فتصدقه.
اعلم أن تخفيض سعر الريال ليس أمرا هينا إذا تم في فترة هرج ومرج حول الاقتصاد السعودي. فهذا يعني احتمالية سقوط قيمته للصفر وما يصاحبها من أضرار سياسية أكبر بكثير من الأضرار الاقتصادية، وأعلى كلفة بمراحل عديدة. فلا يخدعنك أخي أحد، فالريال في فترة الهرج الاقتصادي مكفول أمره، كالمفسدين في الأرض والإرهابيين في فتره الهرج الأمني مكفول أمرهم برجال الأمن. فدون الريال مئات المليارات من الدولارات وتدخلات دول صديقة، ولا تنخفض قيمته، كالأمن دونه سيوف ورجال، لا تهاون في هذا ولا هذا في أوقات انتشار هرج المهرجين وإشاعات النصابين.