فيصل خالد الخديدي
انتشرت قبل فترة في مواقع التواصل الاجتماعي صورة ومقولة للرئيس التنفيذي لشركة نوكيا عقب شرائها من قبل شركة مايكروسفت الذي أنهى كلمته بمقولته: (نحن لم نفعل أي شيء خاطئ لكن بطريقة ما خسرنا)، وأياً كان تاريخ هذه الواقعة والتي يذهب البعض إلى أنها قبل سنوات إلا أنها مقولة مؤثرة وتدعو للتأمل، فكيف لشركة في قمة مجدها ورائدة في مجالها أن تخسر وبهذه الصورة والسرعة, هل كان التغيير والتطور أسرع منها ومن أن ينتظرها لتخطئ وتنهض من عثراتها أو تعدل مسارها لتحافظ على القمة.. استفسارات كثيرة تفضي إلى أن عجلة التطوير سائرة ومن لم يواكبها أو يسبقها فإنها ستتركه خلفها يجر حسراته...
الفنون التشكيلية فعل إنساني متطور ونتاج حسي فكري متجدد, ومتى ما كان الفنان واعياً لرسالته متمكناً من أدواته ومتابعاً لمستجدات مجاله على جميع المستويات مرناً في تطوير أدواته وحريصاً عليها مستمراً في عطائه وإنتاجه متى ما كان فنه وإبداعه حاضراً ومتجدداً وحضوره فاعلاً في المشهد التشكيلي. هي ليست وصفة سحرية ولا خطوات صعبة التنفيذ ولكنها استمرار في حياة الفن بشكل متواصل تبدأ بتقييم الفنان لمنجزه وقراءته لذاته وإمكاناته بواقعية ومنطقية ودعم مواطن القوة والتميز في شخصيته الفنية وتطوير ما يحتاج منها لتطوير بشتى الوسائل المعينة على نمو أدواته سواء فكرية أو تقنية أو حتى فنية، فمعرفة الفنان لذاته الفنية تختصر كثيراً من الهدر وتفتح آفاقاً أرحب لإبداعه واستمراره.
مر على الساحة التشكيلية الكثير من المبدعين والمؤثرين والذين أضافوا للساحة وما زالوا يضيفون ولكن توقف بعضهم بمحطة نجاح تجربة أو تحقيق منجز جعل تميزهم السابق سداً عائقاً لهم عن مواصلة إبداعهم فلم يتجاوزوا أنفسهم وتجاوزهم من بعدهم في ذات إبداعهم, وآخرون ظلوا يتغنون بمنجزاتهم ويدورون في فلك سابق أعمالهم متعالين بأبراج عاجية مترفعين عن كل تجديد أو تطوير حتى تجاوزهم الجميع فشعروا بغربتهم ووحدتهم فما أفاقوا إلا والركب تجاوزهم، فسعوا لاهثين وراء إثبات الوجود ولو كان بشكل هزيل وبحضور مهزوز حتى في أبسط مستويات الحضور.
تميُّزك اليوم إن لم تمر به رياح التطوير سيكون إرثاً عند غيرك، فالميزة التي كانت لديك بالأمس ستحل محلها اتجاهات حديثة بالغد وستكون إرثاً بعد الغد.. يفنى الإنسان وهو يتعلم ويطلب التجديد والذين يرفضون التعلم والتطور بشكل أو بآخر بأي حجة كانت سيكونون يوماً ما عالة على مجتمعاتهم, وفاقدي العطاء مصيرهم للفناء ومن عاش في الماضي سيبقى إرثاً قابلاً للزوال أو الحفظ غير قابلاً للحياة والاستمرار.
إن المتكلسين والواهمين لن يُقدّموا إبداعاً ولن يعيشوا فناً متطوراً، وسيتجاوزهم الجميع وهم على أعتاب الماضي منسيون, فالتطور والتميز والإبداع يحتاج لأن يكون الفنان أكثر انفتاحاً واتجاهاً نحو كل متحرك متجدد، ولكن بوعي وعمق طرح فلا يفقد ذاته بداعي التطور ولا يكون أداة هدم باسم التجديد.