عبدالله الغذامي
كانت المسرحية تحمل إغراء وتحديا، وقد اختار محمد العثيم أن يطلق عليها اسم (حلم الهمذاني) وكان الاسم كافيا لأن أذهب لمشاهدة المسرحية وكنت على يقين أن العثيم من الذكاء والثقافة لدرجة لا تسمح له أن يعطي عنوانا عبثيا، وأعرف عنه ذكاءه وعمقه، مع حبه للتجريب والمغامرة الإبداعية، وكل هذا رصيد يحفز على إحسان التوقع وطلب المشاركة الاستكشافية والإبداعية مع عقل إبداعي مغامر، ولا شك أن كل توقعاتنا كانت تحوم حول النص وتحديات العنوان الذي يستحضر اسم الأديب مخترع فن المقامات وفن الكذب الإبداعي والجمالي مع رونق النص وعمارة الخيال وابتكار الشخصيات، كما هو بديع الزمان الهمذاني، وكان اسمه على مسمى فهو بديع زمانه وصانع بلاغة ذلك العصر.
أما مع محمد العثيم فقد كانت المفارقة الإبداعية هي حينما تحددت لحظة دخولنا لقاعة المسرح، واتجهنا لباب القاعة تحت مظنة أننا سندخل من باب معهود ينفتح على قاعة الكراسي ولكننا تفاجأنا أننا ندخل عبر نفق محشورين فيه وهو نفق منسوج من القماش الأسود ومطعم بخليط من بصيص ضوء مع ظلمة تكسر الضوء وتخافته، وتضيق فيه الحركة ويضيق فيه التنفس، إضافة إلى وقع المفاجأة عليك ما بين أن تضحك على نفسك وعلى الموقف وما بين إحساسك بالحركة الممسرحة، وحينها أحسسنا بالمسرحية كاملة عبر خطونا وسط النفق، فقد أخرجنا العثيم من عالمنا الحسي ووضعنا في نفق الخيال وحولنا لكائنات حالمة . تلك كانت لعبة النص والخيال والإبداع، وهي ألاعيب يجيدها لاعب ماهر ومبدع حيوي، يحولك من كونك أنت كما تعهد نفسك إلى كائن مسرحي تخالط النص وتذوب فيه،وكان ذلك حلم الهمذاني ونص العثيم في ليلة ما زال نبضها يركض أمامي وإن مر عليها ربع قرن.