هاني سالم مسهور
مع إعلان رئيس حزب الكتائب (القوات اللبنانية) سمير جعجع دعمه ترشيح العماد ميشال عون زعيم التيار الحر لرئاسة الجمهورية اللبنانية يكون لبنان يدخل فصلاً جديداً من المشهد السياسي المعقد، هذا الإعلان المفاجئ يمكن تصنيفه أنه (خلط أوراق) لكل الأطراف السياسية اللبنانية ومن خلفها الأطراف الإقليمية التي لطالما مارست ضغوطها على اللبنانيين في كل المراحل السياسية خاصة بعد اتفاق الطائف 1987م.
فمنذ عام وثمانية أشهر كان جعجع مرشحاً رئاسياً في مواجهة ميشال عون وإذا به يتخلى عن ترشيح نفسه لخصمه ميشال عون، كما ظهر رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة أيضاً، ولطالما كان التأرجح في الترشيح بين كل من (عون) والمرشح الجديد (فرنجية) هو المسيطر على المشهد السياسي منذ انتهاء ولاية الرئيس سليمان قبل عشرين شهراً، لذلك فإن الخطوة تعتبر تحركاً (دراماتيكياً) في ملف لطالما وصف بالجامد.
وفي حين ننتظر ردود الفعل من الأطراف الإقليمية والدولية لا يمكننا أبداً تجاوز أن خطوة جعجع تأتي في ترادف زمني مثير حيث إنه جاء عقب مرور يوم واحد فقط على إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن إيران بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ الكامل في 17 يناير 2016م، وهذا ما يعطي دلالات عميقة فيما سيحتمله الاتفاق النووي الايراني مع الغرب من انعكاسات سياسية على الملفات الملتهبة في الشرق الأوسط والتي من ضمنها الملف اللبناني.
تعطيل الحياة السياسية في لبنان كان عملاً استراتيجياً مركزياً قام به (حزب الله) الذي ساهم بشكل مباشر في الوقوف أمام الاستحقاق الرئاسي، وهذا التعطيل كان يجد لدى المراقبين السياسيين مسوغات أهمها بالتأكيد تورط مليشيات (حزب الله) في الحرب الأهلية السورية ودعمه المباشر للنظام السوري، ولم لـ(حزب الله) أن يجد لنفسه الذريعة بهذا التدخل لولا أنه نجح في تعطيل الحياة السياسية اللبنانية، وهو ما يتماهى تماماً مع الرغبة الايرانية الداعمة لهذا التوجه.
بغض النظر عن الفرص الممكنة التي يمتلكها سعد الحريري في تعطيل الانتخابات اللبنانية والمراهنة على عوامل مختلفة داخلية وخارجية، فالطرفان (عون ـ جعجع) يحملان تضادات هائلة يمكن أن تنفجر في أي توقيت قريب نتيجة ضغوط الداخل اللبناني المحتقن أساساً كنتيجة طبيعية لضعف عمل مؤسسات الدولة اللبنانية، كما أن هناك عوامل خارجية لا يمكن أن تؤثر أهمها مؤكد مدى قدرة الأطراف السورية على حلحلة المسار السياسي وبدء تنفيذ خارطة الطريق السورية وفقاً لمرجعية فيينا وجنيف 1.
كل هذه الاعتبارات في التوزانات السياسية اللبنانية، والتطورات المفاجئة داخل لبنان السياسي تؤشر أيضاً أن لبنان يعيش أزمة صراع في هويته العربية، وأن هناك أطرافا داخلية تحاول انتزاع النبض العروبي من الجسد اللبناني، وأن هناك اعتبارات خارجية لإيران لا يمكن تجاهلها بحال من الأحوال في مشروعها التوسعي وتصديرها للفوضى الواسعة في البلدان العربية، والانحياز اللبناني (الشاذ) من خلال الامتناع عن إدانة ايران في تدخلاتها في الشؤون الداخلية العربية، وكذلك عدم إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، يتركنا هذا الواقع السياسي اللبناني أمام تساؤل ماذا بقي للعرب في لبنان ؟، ومدى قدرة العرب على استعادة لبنان في مشروع عربي انطلق في مارس 2015م باستعادة صنعاء وبقيت عواصم العرب المخطوفة.