رقية الهويريني
اعترف أشهر راقٍ سعودي كان يزعم إخراج الجن من أحشاء الإنسان، بأن تلبسها للإنس غير صحيح، وأن الجن لا ينطق بلسان الفرد! ووثق اعترافاته على موقع اليوتيوب، وقال إنه توصل إلى هذه القناعة وعاد إلى جادة الصواب معتزلاً مهنته كراقٍ شرعي شهير ظل يعالج مرضاه طيلة السنوات الماضية! والعجيب أن هذا الراقي يحمل شهادة الدكتوراه ويعمل أستاذاً في الجامعة الإسلامية، وخطيب مسجد، ويقوم بالتدريس بالمسجد النبوي الشريف!
ولئن كان هذا الرجل قد أوهم مرضاه بهذا الطب طيلة تلك السنوات؛ فإنه لا يتحمل وحده مسؤولية استغفال الناس؛ بل يشاركه بعض المشايخ الذين كتبوا له توصيات تعزز من عمله!
وبرغم الكتابات والمقالات والمشاهد التمثيلية التي نبهت بخطورة انتشار هذا الوهم بين أوساط الناس، لدرجة تخصيص أماكن واستراحات للرقية وبيع العسل والزيت والماء المقروء فيه من قبل بعض المدعين، إلا أن المشاهد هو الترخيص رسمياً لهؤلاء الرقاة بدلاً من توجيه المرضى للعيادات النفسية لأن أكثرهم يعانون من انفصام في الشخصية وليس جان يتحدث بألسنتهم كما يزعم الرقاة! والأدهى هو عمد بعضهم إلى علاج مرضاهم عبر شاشة التلفزيون! وصرفهم عن مراجعة الأطباء النفسيين! وقد أثرى كثير منهم بسبب استغلال الناس والنصب على المغفلين والسذج ممن يتاجرون بالقرآن على حساب أوجاع الناس وإصابتهم بالوهم، لدرجة أن أحد الرقاة كتب تغريدة بتويتر زاعماً أن الجن يراسلونه بالجوال! وعندما استنكر بعض الناس ذلك نعتهم بالليبرالية والعلمانية! وسلكت إحدى النساء اللاتي يسوقن لطبخاتهن المنزلية نفس الطريق بزعمها استخدام زيت مقروء فيه لإعداد طبق ورق العنب!
ولعل ما أغرى هؤلاء الرقاة بهذا السلوك هو حب المال، وجهل الناس واستغلال ضعف المرضى، وقصور المستشفيات عن أداء عملها.
وطالما تاب هذا الراقي وأقلع واعترف بدجله وأنكر بنفسه دخول وتلبس الجن بالإنس؛ فإنه ينبغي عليه القيام بمسؤولية توجيه الناس وتوعيتهم حول تجارة الوهم! وأن يبذل جهده في تصحيح ما أفسده طيلة تلك السنوات الماضية، ويسعى لكشف زيف باقي الرقاة! أو يحاسب على دجله وتدليسه. وعلينا جميعاً تنقية فكر المجتمع حول رفض هذا الوهم وإعلاء اسم العلم والطب الذي يقوم على التجربة والبرهان ومن ثم اليقين.
ولا شك أن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور، بشرط أن يقرأه المرء بنفسه دون وساطة من أحد، ويستشعر آياته ويوقن بها.