جاسر عبدالعزيز الجاسر
لم يعد هناك من شيء قبيح دون أن يُرتكب في العراق، في ظل هيمنة المليشيات الطائفية التي تمثل أذرعاً مسلحة امتهنت العمليات الإجرامية ذات الطابع الإرهابي لفرض إرادتها السياسية أو حتى لتمويل عملياتها العسكرية والسياسية، فبعد انحسار الأموال التي تحصل عليها الأحزاب الطائفية المرتبطة بنظام ملالي إيران نتيجة قلة الأموال التي يرسلها النظام الإيراني للأحزاب التي تنفذ أجندته، والضائقة المالية التي تعاني منها الحكومة العراقية التي كانت تخصص أموالاً كثيرة لهذه الأحزاب ومليشياتها، بدأت تتجه لتنفيذ عمليات خطف لمواطني جنسيات محددة بقصد المتاجرة بأرواح المختطفين، والمطالبة بفدية تصل إلى ملايين الدولارات، هكذا كان الهدف من وراء خطف الصيادين القطريين، حيث توجه أصابع الاتهام إلى مليشيات عصائب الحق التي يرأسها خضر الخزاعي والتي تتبع للحرس الثوري الإيراني. وهؤلاء المختطَفون القطريون والجنسيات الأخرى الذين اختطفوا مع القطريين تحاول مليشيات عصائب الحق مقايضتهم بفدية، إذ تجري اتصالات غير معلنة ودون أن تستطيع حكومة حيدر العبادي التدخل لمنع هذه القرصنة التي تتم بإشراف فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري.
وقبل أن تعالج قضية الصيادين القطريين تم خطف ثلاثة من الأمريكيين العرب الذين يحملون جنسيات مختلفة جميعها عربية ويعملون كمقاولين مع القوات الأمريكية في العراق كمترجمين أو مدربين، وهؤلاء المختطَفون تم خطفهم من إحدى الشقق المشبوهة في منطقة كرادة مريم، وهي منطقة مغلقة على أبناء الطائفة الشيعية، وتعد إحدى المناطق التي تخضع لسيطرة حزب عمار الحكيم، حزب الثورة الإسلامية، الوثيق الصلة بملالي إيران. ومنطقة كرادة مريم لا تبعد كثيراً عن المنطقة الخضراء، حيث لا يفصل بينهما إلا نهر دجلة، ويربط بينهما الجسر المعلق الذي يصل بين شطري بغداد، الرصافة والكرخ. وهؤلاء المختطفون الثلاثة الذين اقتيدوا من شقة مشبوهة - كما ذكرت مصادر حكومية - لا يعرف أحد نوعية هذه الشبهة، هل هي شبهة جنائية أم إرهابية أم أخلاقية، والسؤال كم حُدِّدت فدية هؤلاء الثلاثة الذين يُصنَّفون كمقاولين، أي لديهم القدرة على تأمين مبالغ الفدية.
بعد الصيادين القطريين والأمريكيين العرب الثلاثة جرى اختطاف تسعة وثلاثين بنغالياً، وتم حجزهم في منزل أيضاً في منطقة الكرادة. هؤلاء البنغال أبلغت سفارتهم عن سجنهم في المنزل المذكور في منطقة الكرادة، وحدد مخبر من سفارة بنغلاديش مكان المنزل مما أحرج الحكومة العراقية، كما أجبر الأجهزة الأمنية على تجهيز قوة أمنية بعد تدخل السفارة البنغلاديشية التي هددت بتصعيد الأمر ورفعه إلى الجهات الدولية. وقد توجهت القوة الأمنية إلى المنزل الذي يُحتَجزُ فيه المواطنون البنغلاديشيون، وحاصرت المنزل قرب شارع سلمان فايق فوجدت تسعة وثلاثين شخصاً من الجنسية البنغلاديشية محتجزين داخل المنزل، وأنهم كانوا موزعين على غرف المنزل وعليهم آثار تعذيب، وذكروا بأنهم كانوا يحصلون على وجبة غذاء واحدة فقط في اليوم.
تدخل السفارة البنغلاديشية ونجاحها في تتبع مواطنيها عبر جهد يسجل لها أفلت التسعة والثلاثين بنغالياً من هذا الاختطاف الذي أصبح السمة البارزة لعمل المليشيات للحصول على الأموال، وقد شكَّلت هذه العمليات (إهانة)، كما يقول وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي كان يتحدث عن واقعة خطف الصيادين القطريين، وإحراجاً كما في عملية خطف الأمريكيين العرب.
ورغم عملية فك أسر العمال البنغال، فإن ذلك لا يعفي الحكومة من ترك الأوضاع الأمنية تتدهور وتصل إلى مستوى خطير في مناطق العاصمة بغداد التي أصبحت وكأنها مقاطعات تخضع لهيمنة وإدارة الأحزاب الطائفية ومليشياتها الإرهابية التي وجدت في خطف وترويع من يصلون إلى العراق أو يعملون في بغداد لإنجاز المشاريع التنموية تحت رحمة سلاح هذه المليشيات، في محاولة رخيصة للتكسب بعد أن انحسر التمويل الذي كان يتدفق من نظام إيران ومن الحكومة العراقية التي يديرها وزراء من هذه الأحزاب.