د. جاسر الحربش
إيران ليست نمراً، بل كائن آخر لا يقل خطورة عن النمر. إيران كائن يحمل مواصفات تضاريسه الجغرافية، كائن بدماغ ثعلب وأنياب ذئب، يهجم إذا غفل الرعاة ويهرب إذا رصدوه، وليس من المهم أنه عندما ينتشي ينفش ريش الطاووس ويملأ الدنيا بالقأقأة والصراخ. هذا الكائن يتصارع منذ قدم التاريخ مع كائن مجاور يحمل أيضاً مواصفات تضاريسه الخاصة، صبر الجمل وانقضاض العقاب من أعالي الرياح المصطفقة عندما يستشعر الخطر على عشه وفراخه. هكذا هم وهكذا نحن، جاران لكل واحد مواصفات تضاريسه.
السؤال في العنوان أعلاه أضعه للنقاش بسبب القول المتكرر في الحوارات الإعلامية العربية من توصيف إيران كنمر من ورق. من المستبعد أن تكون إيران القوة التي يتمناها أصدقاؤها، لكنها بالتأكيد ليست ذلك النمر الورقي الذي يتمناه أعداؤها. المتوقع أن الإدارات الاستخبارية والعسكرية العربية تعرف الكثير من الحقائق عن إيران، ومع ذلك يبقى على غاية الأهمية للشعوب أن تتعرف على ما يكفي من الحقائق بعد كل التخريب غير المسبوق الذي سببه النظام الإيراني في جواره العربي، لتكون على الدرجة المطلوبة من الجاهزية التكافلية والصبر في مواجهة مفتوحة محتملة.
بعد دخول الروس المباشر في ميادين القتال السورية فسَّر لنا المحللون ذلك كعلامة واضحة على ضعف إيران، وأنه لولا انهيار الطرف السوري والإيراني وحزب الله لما كانت هناك حاجة لتدخل الروس بطريقة قيادية ومباشرة. الاستنتاج التبسيطي في هذه الجزئية قد يحتمل بعض الصحة، لكن الحسابات العقلانية عليها واجب البحث عن احتمالات أخرى. مما يسند هذه الاحتمالات الأخرى حقيقة أن النظام الإيراني لم يغامر حتى الآن بإشراك الأعداد المقنعة للقتال خارج حدوده لنجدة عملائه العرب، لا في العراق وسوريا ولا في اليمن والبحرين.
نعم إيران تقدم مبالغ كبيرة من الأموال لعملائها، ولكن هل لدينا ما يؤكد أن كل هذه الأموال مستقطعة من الخزينة الإيرانية؟. قد تكون أموالاً عراقية من مداخيل نفط العراق، على الأقل جزئياً إن لم يكن بالكامل. يتكون المقاتلون لصالح إيران خارج إيران في غالبيتهم من العرب والأفغان والباكستانيين، ولكن الأكثرية للأسف من العرب الشيعة. الحشد الشيعي الشعبي بالإضافة إلى أربعين ميليشا عراقية كلهم من الشيعة العرب العراقيين، وفي سوريا هم سوريون ولبنانيون وعراقيون مع أعداد غير محددة من اليمنيين والأفغان والباكستانيين. الإشراف والتدريب والتسليح بيد الإيرانيين، لكن الأموال تأتي على الأرجح من مصادر غير إيرانية. من يعرف الأموال التي تقدم لإيران على شكل أخماس وتبرعات من أقليات الجوار، وتلك الأموال المستقطعة من الخزينة العراقية المفلسة دائماً ويقال بسبب الفساد. لا بأس بهذا التعليل، لكن من الذي يستخدم هذه الأموال الفاسدة وأين وكيف؟
الجزء الثعلب من النظام الإيراني يدير حروبه بأموال ودماء عربية، لكي يحتفظ الجزء الذئب بأسنانه ليوم ما بعد.
الحالة الأخرى المماثلة تمثلت في الموقف الإيراني تجاه المشروع الوطني والشرعي الذي تقوم به دول التحالف في اليمن ولم يكن منه بد. مرة أخرى نلاحظ أن النظام الإيراني أحجم عن المشاركة القتالية المباشرة تاركاً التقاتل بين العرب والعرب، بين معسكر استعادة الدولة العربية الشرعية الوطنية ضد المعسكر المذهبي الطائفي. النقاش المتكرر من المحللين في الإعلام الخليجي والعربي يجعل ذلك دليلاً آخر لاستحقاق النظام الإيراني توصيف نمر من ورق. رغم إغراء هذا التفسير يجب وضعه في نفس السياق الذي يطبق في العراق وسوريا ولبنان، أي أن الثعلب الإيراني يريد استمرار الاستنزاف العربي - العربي، مع احتفاظ الذئب بالقوة العسكرية والمادية ليوم ما بعد.
قبل أسبوعين أسرت البحرية الإيرانية عشرة أفراد من البحرية الأمريكية في الخليج ثم أطلقتهم، وحصلت على جائزة شكر وتقدير من الحكومة الأمريكية للمعاملة الحسنة التي قدمتها للأسرى الأمريكيين. هذه المسرحية كيف نفهمها وأين نضعها في حساباتنا العربية للمستقبل؟ ألا يجب أن نفهمها ونضعها في احتمالات كون إيران ليست نمراً من ورق، وأن حلفاءنا القدماء ومعهم الروس أصبحوا اليوم أقرب للنظام الإيراني من أي وقت مضى؟.