أ. د.عثمان بن صالح العامر
أصلا هل للمعلم هيبة، وهل كانت هذه الهيبة موجودة في مدارسنا ثم رحلت، ومتى ذهبت هذه الهيبة حتى ننشد عودتها، وهل الصحيح أن تكون له هذه الهيبة في زمننا المعاصر، ومَن باستطاعته إعادتها، هل معالي الوزير -مع احترامي الشديد لشخصه الكريم- هو الإنسان المرشح لإعادة هيبة المعلم، وهل باستطاعته ذلك إن هو أراد، وإذا سلمنا بذلك فكيف لها أن تعود ؟
نعم للمعلم هيبة، وكانت موجودة في تعليمنا العام، ومَن هم في مثل عمري يعرفون كيف هي منزلة المعلم في نفوسهم، وكيف كانت هيبته عندهم، وقد ذهبت قبل ما يقارب عشرين عاماً أو تزيد قليلاً، وربما تقلّ، يختلف الحال باختلاف المناطق وتباين البيئات قرويّة وحضرية، ساحلية وصحراوية، وإن كان الوضع في السنوات العشر الأخيرة أسوأ حالاً كما هو معلوم، ومن نافلة القول هنا أن هذه الهيبة لا تنفصل لا من قريب أو بعيد عن شخصية المعلم، ولذا فعودتها ضرورية وأساس رئيس من ركائز العملية التعليمية، ومعالي وزير التعليم أ.د.أحمد بن محمد العيسى هو في نظري المرشح الأقوى تربوياً لتعبيد الطريق طمعاً في عودتها داخل أروقة ميداننا التربوي دون غيره غيره لأسباب عدة، أهمها في نظري التخصص، وكونه أمضى حياته معايشاً التعليمَ وظيفة وهماً وكتابة، ولكن ليس هو من سيعيدها جزماً لدى شريحة المعلمين على قدم المساواة لأن إعادتها في النهاية بيد المعلم نفسه، ولكن .. كيف؟.
# البعض يعتقد أن السماح بالضرب الذي ليس فيه تحامل وعدم عدل بين الطلاب سيعيد الهيبة لشخصية المعلم اليوم، وهؤلاء يقولون: «منذ مُنع الضرب في المدارس غاب الاحترام وقلّت هيبة المعلم في النفوس، وضعف التحصيل العلمي والاهتمام بحل الواجبات لدى الطلاب»، وربما استرسل في سرد ماضيه الشخصي لمّا كان على مقاعد المرحلة الابتدائية، حيث كان لسياط المعلم أثر فعال في حله للواجبات، والتزامه بالمحافظة على الوقت، وجودة خطه وحسن فهمه، مع صعوبة الحياة آنذاك، وهذا وإن كان في الظاهر صحيحا فإن الضرب ليس هو ما أدى إلى هذه النتيجة كما يظن صاحب هذا الرأي، إذ لا علاقة بين الهيبة والشدة المختزلة في الضرب هنا أبداً!!!.
* رأي ثانٍ يجمل السبب في «سعودة التعليم العام»، فمنذ صار الإحلال، ولم يبقَ في مدارسنا متعاقد واحد رحلت الهيبة عن تعلمينا العام، جراء ما تتسم به الشخصية السعودية من اللامبالاة، وعدم استشعاره أهمية الدور المُلقى على عاتق المعلم، وتذكُّر واجب الاهتمام بالطالب، وسرعة الملل، والانشغال بأمور أخرى خارج أسوار مدرسته، ويستشهد صاحب هذا القول بواقع التعليم في المدارس الأهلية الذي هو نتيجة طبيعية لوجود العنصر العربي المتعاقد معه، فهو متفرغ تماماً للعمل التعليمي، ويعطى وقته وجهده للطالب، ولذلك حال هذه المحاضن التربوية التابعة للقطاع الخاص أحسن حالاً من حال المدارس الحكومية.
* والذي أراه أن الهيبة ليس لها ارتباط لا بالسبب الأول ولا بالثاني؛ فكم من معلم في مدارسنا الحكومية اليوم يتمتع بشخصية مهيبة ويحظى باحترام منقطع النظير من قبل شريحة عريضة من الطلاب، بل حتى بعد تخرجهم من مدارس تعليمنا العام يذكرون هذا المعلم بكل خير ولا ينسون فضله عليهم، ليس لأنه شديد، ولا لكونه يضرب، بل على العكس من ذلك فهو مرن متسامح إلا أنه باختصار قوي في مادته العلمية، ويحّضر للدرس جيدا، وجادٌّ في إعطاء كل ما لديه للطلاب بأمانة وصدق وإخلاص، ولا يتأخر أو يغيب، ولا يترك فرصة للصغار لتضييع الوقت بلا فائدة تذكر، وبهذا استحق أن يهاب ويحترم، وما نعتقد أنه سبب هيبة المتعاقد ليس لكونه غير سعودي، ولكن لالتزامه بهذه المعطيات الواردة أعلاه.
ولذلك إذا أردنا للمعلم منزلة رفيعة وأثرا واضحاً وفعالية في التكوين والبناء لشخصية هذا الطالب أو ذاك وجب في نظري:
* حسن الاختيار لمن يدخلون كليات التربية.
* إعادة النظر في التكوين المهاري أولاً والتربوي ثانياً والمعرفي ثالثاً لطالب التربية، إذ لابد من تعزيز القيم التربوية لديه، علاوة على إكسابه مهارات إدارة الصف والتعامل مع زملاء المهنة و...، فضلاً عن تقويته في التخصص الذي سيدرسه، فالعلوم والمعارف تتطور، وربما فاق الطالب أستاذه اليوم في كم المعارف التي يمكنه الحصول عليها عبر الإنترنت .
* تذكير المعلمين في جميع المراحل التعليمية بثقل الأمانة التي يحملون، وعظم الرسالة التي من أجلها هم هنا داخل أسوار مدارسنا، واستشارتهم فيما يخصهم، ورفع هممهم وتقوية عزائمهم، وإشعارهم أن الطالب عقلاً وروحاً وجسداً أمانةٌ عندهم كالولد تماماً.
* تكثيف الدورات التدريبية للمعلمين في الميدان .
* إصدار كتب تربوية موجهة للمعلمين في مدارسنا تناقش قضاياهم المعيشة بكل شفافية ومصداقية ووضوح، وعقد حلقات النقاش وورش العمل التخصصية لبث الهموم المشتركة بين بعضهم البعض .
* تعزيز وضع هم المادي والمعنوي واحترام سنوات خبرتهم التعليمية إن وجدت، وتقليل أعبائهم الإدارية والتعليمية.
* زرع الثقة المتبادلة في المنظومة القيادية والإدارية في تعليمنا العام، ومنح حوافز ومرغبات للقياديين والإداريين مادية ومعنوية، وتطبيق النمط الإداري الديمقراطي في ميداننا التربوي.
الحديث قد يطول فهو حديث ذو شجون، وربما سيكون له بقية في قادم الأيام، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء والسلام.