جاسر عبدالعزيز الجاسر
فجأة طغى مصطلح «الهياط» على السوشيال ميديا، وأصبح المنصات لكل المنصات والوسائل الإعلامية من الوسائط الإلكترونية إلى الوسائل الإعلامية، وإن اكتسح الكتّاب المساحة المقروءة بعد أن كتب الجميع عن هذه الظاهرة التي أدرجوها جميعاً تحت مصطلح الهياط.
وعلى الرغم من أن المعنى اللغوي لكلمة هياط لا يشير لا من قريب أو بعيد إلى ما سعى إليه متداولو المصطلح وما تسابق عليه الكتّاب، فهم يقصدون بـ»الهياط»، الإسراف والبذخ والاستعراض، وسيطرة بالنعمة من قبل حديثي النعمة، أو ممن يعانون من تدفق الأموال بين أيديهم فلا يحرصون على الحفاظ عليها واستثمارها لصالح أسرهم ووطنهم، ومع أن «الهياط» هو مصطلح من اللهجة العامية، وأعتقد ولا أجزم بأنه لفظ يتداول في نجد، ولكن مع ذلك فهو بعيد عن المعنى اللغوي للفظ، ففي معجم المعاني الجامع، يصنف «هياط» اسم، والمصدر أيضاً هايط، وجاء في لغة العرب «هم في هياط ومياط» ويعنون أنهم في شر وجلبة وقيل: في دنو وتباعد والفعل «هايط» وهايط الرجل ضج، وهايط جاره استضعفه، ويقول العرب هايط فلاناً: استضعفه.
هذا مختصر لما ذكرته المعاجم عن كلمة «مهايط» التي لا تعني جميعها فيما ذهب إليه الكتاب الذين ملؤوا الصحف بالحديث عن هذه الظاهرة وكأنها هبطت علينا من السماء ووجدوا فيها «ربما» مخرجاً لقلة الموضوعات التي يكتبون عنها، أو استفزتهم المناظر التي نشرت عن ظاهرة «الهياط».
والواقع أن توقيت الحديث عن ظاهرة «الهياط» في هذه الأيام يلامس ضمير الكثيرين كتّاب وغير كتاب، بل يدفع إلى الغضب والاشمئزاز مما يفعله السفهاء منا. ففي الوقت الذي تمر به الأمة وبلدان كثيرة وقامت بترشيد مصروفاتها، يواصل المسرفون ومحبو الاستعراض والتباهي.. هؤلاء الذين لا يفكرون بردة فعل من يرون من السفهاء الذين يخلطون مع علف الجمال العملات النقدية من أعلى الفئات لإطعامها للجمال، في الوقت الذي يبحث فيه الكثير ممن يبذلون الجهد والعرق ولهم قدرات علمية وفكرية تفوق كل ما تختزن أدمغة هؤلاء السفهاء.
يذكر أحد هؤلاء السفهاء وبجلساته متفاخراً عن وليمة أولمها لأحدهم لا يقل سفهاً عنه، أنه قدّم له جملاً محشياً بخروف، والخروف داخله ديك رومي، مليء بطيور سمان، لتكون وليمة حافلة بكل أنواع اللحوم، هذه الوليمة التي أقيمت على شرف شخص واحد ولم يستفِد منها سوى عدد قليل، كانت نهايتها في مكان القمامة.
هدر للغذاء يوازي البطر في النعمة، ومع هذا يرويها من أقامها بكل فخر وتبجح.. طبعاً لم يسمع من أحد الحاضرين زجراً ولا حتى اعتراضاً، بل قد يجد إعجاباً في عيون المستمعين، هكذا هو مجتمعنا أو لنكن دقيقين، هذا هو الجزء الكبير من مجتمعنا يتعايش مع المظاهر ويتغاضى عن الإسراف وعن أفعال السفهاء، و»الهياط» ليس فعلاً مستحدثاً لم نكتشفه إلا مؤخراً، فمنذ بدايات الطفرة والهياط أو الإسراف مستمر ومتواصل حتى في تعاملنا مع الخدمات الأخرى، كم نهدر من المياه، حاول أن تحصي المنازل التي يتسرب منها الماء، ليس لعطل في تمديدات المياه، بل لأن السائق الآسيوي يستعمل الخرطوم لغسل السيارة وبلاط المنزل بل وحتى الجدران، كم لتر من المياه استعمل وهل يعلم من استعمل هذا السائق أن لتر الماء المسكوب يكلف أكثر من قيمة لتر البنزين.
الكهرباء، هل فكر أحدنا كم تهدر من الطاقة، وكم جهاز تلفاز يظل يعمل طوال اليوم والليل دون أن يكون أمامه أحد، وأن المصابيح تظل مضاءة دون أن يستفيد منها أحد، لو قمت بإطفاء تلك الأجهزة والمصابيح لاتهمت بالبخل وليس مواجهة الإسراف والسفه.
الأمر بأكمله ثقافة وسلوك لا يمكن معالجته بجملة مقالات ورسائل نصية بل نبدأه بأنفسنا بمحاربة سفه الإغواء ووقف التفاخر وصيانة النعمة.