د. فوزية البكر
نقرأ ونسمع من أن آخر الفكرة التي تتردد بأن البنات أفضل من البنين في الدراسة فهن يدرسن بحرص ويؤدين ما هو متوقع منهن ولا يحتجن إلى ملاحقة مثل تلك التي تحصل مع البنين. الكثير من الأمهات يتكلمن عن ذات الظاهرة فهن لا يحتجن إلى تكرار الطلب و المتابعة مع بناتهن مثل ما يتطلبه أبناؤهن من الذكور الذين يحتاجون في الغالب إلى التكرار والمتابعة لأداء ما هو مطلوب منهم وليس ما هو متوقع لمن هو في سنهم أو مرحلتهم.
هذه الظاهرة تشرحها بوضوح مؤلفة كتاب: التعليم في دول الخليج: بين التوجهات العالمية والرؤى المحلية (2015) لمؤلفته نتاشا ريجي التي أمضت أكثر من خمس سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة بدءاً من سبتمبر 2011 كمديرة لمركز الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسات العامة والتي توجت عملها برسالتها في الدكتوراه ولخصتها في كتابها الجميل هذا.
تذكر المؤلفة أنها جاءت لدولة الإمارات محملة مثل كل الغربيين بالصورة المشوهة عن المرأة الخليجية الضعيفة والمغلوبة على أمرها مقابل الذكر المسيطر والمتوحش وهي الصورة التي يؤكدها الأكاديميون في دراساتهم وتكررها كافة التقارير الصحفية (على وجه الخصوص: سرد قصة الأنثى الخليجية المظلومة وفي المقابل ظلم الذكور الخليجين)!!!!
في ذلك تذكر المؤلفة أنها دهشت من تعامل الشباب الإماراتيين ولطفهم مع كل رفاق ورفيقات العمل محليين وغير محليين ولم تر طوال إقامتها في أبو ظبي ذلك التوحش الذي ملأ الدراسات الأجنبية عن الرجل الشرقي؟!
تذكر المؤلفة أن دراسات المرأة قد تراجعت كثيرا في الجامعات الغربية نتيجة ارتفاع أعداد الأكاديميات من الإناث لذا فالنقاش في الغرب حول تعلم الفتيات وعملهن وتفوقهن علي الذكور أصبح قديماً. ما هو غير معروف أن هذا الارتفاع لم يعد محصوراً فقط على البلدان الغربية. النساء والفتيات تفوقن على نظرائهن الذكور في التحصيل الدراسي في جميع أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية إلى الصين إلى أوروبا الشرقية.
السؤال هنا: في البلدان الأخرى وتحديدا في البلدان الغنية المصدرة للبترول في منطقة الخليج العربي :هل الفجوة بين الجنسين هي ذاتها كما في بقية انحاء العالم وعكس ما يكتب ويشاع عن هذه المنطقة؟
تري المؤلفة أن ارتفاع تحصيل الإناث في الخليج هو الواقع الذي لا يتردد صداه بشكل جيد مع السرد الغربي للإناث العربيات المظلومات. هنا تستفيض المؤلفة في مناقشة مصطلح الجندر لتوسيعه بحيث يجب أن يشمل كما ترى كل من الرجال والنساء: « «الحديث عن الفروق بين الجنسين يقتصر في العادة على النساء بحيث يحجب ذلك اتجاه الصورة الأكبر حجماً والتي تؤكد انطباق مصطلح الجندر على الجنسين وهذا ما منع واضعي السياسات التربوية من أن يكونوا قادرين على رؤية الصورة كاملة من خلال دراسة مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بكلا الجنسين وليس النساء فقط.
كما ترى المؤلفة أن الفتيات اليوم أصبحن مثقفات على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، بل نحن نشهد أيضاً ركودًا وفي بعض البلدان انخفاضاً، من الناحيتين النسبية والحقيقية، في تحصيل الأولاد مقارنة بالفتيات وفي قدرة البنين على توظيف مهاراتهم التعليمية لاحقا مثل الفتيات.
في الفصل الرابع بعنوان «ترك البنين في الوراء» حددت المؤلفة الخطوط العريضة لأبعاد الظواهر العالمية لتفوق الإناث في جميع أنحاء العالم (بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي) على الذكور في التحصيل والإنجاز ،في البحرين وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية وقطر ،الفتيات يتفوقن دوماً على الأولاد في جميع مستويات التعليم. أداء البنين أيضاً أسوأ في جميع التقييمات والاختبارات الدولية مثل البرنامج الدولي لتقييم الطلبة ودراسة الاتجاهات في الرياضيات والعلوم الدولية، والحال نفسه في الامتحانات على المستوى المحلي.
ناقشت المؤلفة أسبابا مختلفة لذلك مثل نوعية المعلمين الأجانب الرديئة التي تدرس للبنين حيث لا يجتذب التدريس الذكور من المواطنين عكس مدارس البنات حيث تلتحق الإناث أكثر بمهنة التعليم المقبولة اجتماعيا وثقافيا في مجتمعاتهن المحلية وكذلك الفروق بين التعليم الأهلي ذي الجودة الذي يلتحق به فقط الأطفال من ذوي النفوذ والذين لا يلتحقون بالمدارس العامة و يتمتع بمعلمين أكفاء أحيانا أكثر مما هو متاح لبعض المناطق الريفية والنائية حيث كثافة الذكور في التعليم العام أكثر يضاف إلى ذلك طبيعة عمل بعض المنظمات الدولية العامة في الدول النامية التي تركز في تقاريرها التي تنشر دوليا على النساء و الفتيات بتصويرهن محرومات مما أدى إلى تهميش واهمال تعليم البنين من قبل صناع السياسات العامة.
ويمكن لنا هنا أن نضيف سببا آخر يتعلق بمحدودية الخيارات المتاحة للفتيات لقضاء الوقت خارج المنزل بحكم الطبيعة المحافظة لهذه المجتمعات خاصة في دول الخليج مما أتاح وقتا إضافيا للفتيات للمذاكرة مقارنة بالبنين.
في الفصلين السادس و السابع، ناقشت المؤلفة العوائد المادية وغير المادية المتأتية من التعليم وناقشت إستراتيجيات جديدة تهدف إلى تحسين التعليم المقدم للذكور في منطقة الخليج العربي مثل تحسين جودة التدريس في المراحل الأساسية و في المدارس الثانوية للذكور، وإدخال المواد الدراسية العملية للمناهج الدراسية وتوجيه العناية للطلاب الذكور المعرضين للخطر بسبب الإهمال الدراسي أو الفقر الثقافي والعائلي المحيط بهم بما يدفعهم للتسرب السريع من التعليم الأساسي قبل إنهاء المدة النظامية.
الخلاصة: أن ظاهرة تساقط البنين قبل إكمالهم المدد النظامية للتعليم أمر حقيقي وواقعي ويحتاج إلى وقفة فعلية من صناع القرار التربوي حتى يمكن مساعدة البنين وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم في المستقبل القريب ؟ هل تشعرون قرائي الأعزاء بهذه الظاهرة حولكم؟ هي ظاهرة رغم أهميتها وخطورتها إلا أنها لم تدرس بعد في الجامعات السعودية فيما أعلم.؟!