رقية الهويريني
في الوقت الذي تسعى فيه المرأة لإيجاد مكانة مرموقة في مجتمعها، ويقوم الناشطون المخلصون بحثِّها على المطالبة بحقوقها كاملة، وتنشط المنظمات بالضغط على الحكومات لمزيد من التمكين للمرأة في الحصول على العلم والعمل؛ يطلق أحد السفهاء عبارة أنّ «البنات عار» وأنهن عبء على آبائهن الذين يفرحون بتزويجهن ليس بهدف إسعادهن وإنما للتخلص من العار! حيث قال بالحرف الواحد (ترى اللي يتزوج بنتك وإلا أختك هو صاحب الفضل شال عنك هم، شال عنك عار).
ولعل ذلك (الذكر) الذي ينعت المرأة بالعار هو بالواقع صدى لأفراد في المجتمع يقللون من قيمتها، ويصنّفون نصف المجتمع بأنه عار وعورات! ولو نشأ صاحب هذا الفكر النتن في بيئة تقدّر المرأة وتحترمها ولا تسمح بمثل هذه الآراء الوقحة، لما تفوّه بتلك العبارة عبر مشهد فيديو!
وفي حين تجاوز هذا الذكر المدى حين حصر العار بالفتاة عموماً أياً كان مسارها أو خُلقها، فهو قد نسي أو تجاهل أنّ العار هو سلوك مثل السرقة والخيانة والتحرش وترويج المخدرات وتعاطيها من الجنسين! بما يعني أنّ العار ليس صفة وإنما سلوك! وإن كان من عار فهو إطلاق لقب (الشيخ، الدكتور) على هذا الشخص وهو بهذه العقلية القاصرة، وظهوره وأمثاله واستضافتهم في القنوات الفضائية والسماح لهم بالظهور الإعلامي.
وفي حين يبدي بعض العقلاء تقديرهم للمرأة بحكم أنها نصف المجتمع النابض الذي يلد نصفه ويربيه كله (أبناء وبنات)، ويسعون لتمكينها والأخذ بيدها نحو النور؛ يعمد بعض المتنطّعين والمتشددين المتاجرين بالدين للتقليل من شأنها، والتلميح أنّ الليبراليين لا ينصرونها إلا لتحقيق شهواتهم! فيما يظهر بجلاء أنّ الإسلام لم ينقّح فكر هذا الشخص من براثن الجاهلية التي كان يتفشى فيها وأد البنات! وما وَصْفه للمرأة بالعار إلاّ شكل من الوأد الفكري وانتكاس خلقي بلا ريب!
ولو رجعنا لنظرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم لابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها، فإنها تتمثّل بقوله «فإنّ ابنتي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» ولم يرها عاراً قط، وهذا هو المنهج النبوي الرصين الذي ما فتئ يوصي الرجل بالمرأة ورعايتها لأنه حديث عهد بجاهلية تزدريها، ويقول عليه السلام «ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهن إلاّ لئيم». وأقر الإسلام لها مهراً في زواجها، وحمّل الرجل مسؤولية الإنفاق عليها ولو كانت غنية، وكلفه بالقيام على شؤونها وخدمتها تشريفاً لها وتقديراً.
فكيف تكون حينئذٍ عاراً ؟!