سلمان بن محمد العُمري
كان من الدعاء المأثور عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما -: «اللهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» رواه مسلم، وهو من أعظم الدّعوات فقد استعاذ رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم من زوال النعمة وتحول العافية وفجاءة النقمة والعقوبة وسخط الله، أمور كثيرة، ومنها كفران النعم، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
وما نراه ونسمعه من أخبار وأعمال السفهاء في هذا الوقت نذير شر على مجتمعاتنا. فقد ساءنا وكدّرنا ما نراه من تصرّفات هوجاء من السفهاء والحمقى حينما تصوّروا أنّ الكرم والشّيم في ذبح عشرات من الغنم لضيوف محدودين ونحر مجموعة من الإبل تكريماً لرجل أو مجموعة رجال، وهذا التباهي والتفاخر تطاول وتزايد وأصبح ظاهرة سيّئة امتدّ إلى أن يقوم أحدهم بتقديم الطّيب أو العسل لغسل اليدين للضيوف، وأحدهم يمزّق كيس الهيل في الأرض، ويتمادى أحدهم بمشهد تمثيلي سخيف وبذيء بادّعائه نحر ابنه ليغسل الضيف يديه بدم الابن، وكلّ هذه المناظر المؤذية والمشاهد المزعجة لا ترضي الله -عز وجل- وهي من كفران النّعم، وفيها إساءة بالغة لمجتمعاتنا أمام إخواننا وأشقائنا ومن حولنا ممّن حلّت بهم الكربات ولا يجدوا لقمة العيش، وصورة سيّئة سترسخ في أذهان الآخرين بأنّنا شعب مسرف مبذّر لا نحترم نعمة الله ولا نشكرها ولا نقدّرها.
لقد أسهمت وسائط التواصل الاجتماعي في ارتفاع نسبة المفاخر السلبية في مجتمعنا مع الأسف وأصبنا بانحدار أخلاقي همجي لا يرتبط بدين ولا موروث شعبي. فهذه التصرّفات الهوجاء لا تمتّ للدّين ولا للشّيم ولا للأخلاق إنّما هي أقرب لما وصفه الله -عز وجل-: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. وللأسف أنّ التباهي لم يعد عملاً فردياً بل أصبح عملاً جماعياً تشارك فيه الأسرة والقبيلة والمدينة والزملاء على حدٍّ سواء وكأنّها عقليّة القطيع التي أشار لها علماء النفس حينما يشارك الفرد المجموعة في مسارهم دون تمييز.
نعم ساءنا ما نقلته وسائل الاتصال عن مظاهر الخيلاء والتباهي وما يطلق عليه العامة لدينا «الهياط» ورأينا من كنّا نحسبهم من العقلاء في كبر سنّهم وعلوّ مقامهم عند مجتمعهم فإذا بهم قدوة سيّئة بانسياقهم مع رغبات الجماهير ويطاوعها بدلاً من أن يسير بها نحو الاتزان والعقلانية.
وسنن الله -عز وجل- لا تحابي أحداً وليس لأحد سواء أكان فرداً أو مجتمعاً حصانة فعلى الجميع توقّي العقوبات الإلهية وغضب الله ونزول المصائب العامة وعدم التهاون أو التقصير في موجبات غضب رب العالمين وليست الأمة بمنأى عن العقوبات الإلهية وعن سخط الله -عز وجل-، والمسؤولية في المجتمع على كل فرد وكل مسؤول فيه باتقاء المصائب فإنها حين تنزل تعم ولا تخص. قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}. والمنكر إذا فشا في قوم ولم يغيّروه فإن هذا نذير بشمول العذاب والعقاب والنّقم وعمومها.
ولنتّعظ بمن حولنا من البلدان المعاصرة والأمم السابقة وما حصل عليهم من زوال النعم، ولننظر فيما كانوا فيه من رغد عيش وأمن واطمئنان وخيرات ثم ما أصبحوا فيه من حال، ولنعتبر في تقلّب أحوالهم ومآلهم ولنخشى عذاب الله وعقوبته بأن نشكر المولى -عز وجل- على نعمه وألا نبطر ولا نبذخ ولا نفسق بالنعمة وأن نتجنّب الإسراف والتبذير والتباهي والخيلاء فبالشكر تدوم النعم وبكفرانها تحل النقم.
نسأل الله أن يديم علينا وعلى سائر بلاد المسلمين نعمة الأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
يقول الشاعر عبدالمجيد العُمري:
يا قوم يا قوم فلنخشى من النقمِ
ومن زوال لما نملك-ه من ن-عمِ
إن التفاخر والإسراف منقصة
ليست من الدين والأخلاق والشيم
وواجب الضيف محفوظ ومعتبرٌ
شتان شتان بين البذخ والكرمِ
كفو عن الفحش والتبذير وانتبهوا
إلى سفاهة أهل الجهل والسقمِ
كم بدّل الله أحوالاً لمن بطروا
خذوا العظات لما قد حل بالأممِ